الصباح الباكر في بنغازي، وتحديدًا في
شهر رمضان الكريم – يعد بالنسبة لي كمصور، وقتا مناسبًا
لتصوير مدينة ساكنة تغط في
نوم عميق بعد سهر طويل امتد حتي مطلع الفجر.
مناسب من حيث أنه لا يعترض
سبيلك أحد مدعيًا أنه الوصي الوحيد علي أمن الوطن،
ويقوم بمنعك من التصوير منعًا
باتًا، خوفا من أن تتسرب مثل هذه الصور أيًا كان
موضوعها إلى شبكات الإنترنت
المعادية كما (يزعم)، متجاهلا - أو يجهل - أن الكرة
الأرضية برمتها منذ دخولنا إلي
الألفية الثالثة قد تحولت إلي قرية صغيرة، وأن الممنوع
من التصوير بفضل الأقمار
الاصطناعية والكاميرات الرقمية وأجهزة الهواتف النقالة،
صار من ثقافة الماضي، وأمن
الماضي.
ولأنه يجهل ذلك، أو لم يسمع بما يتردد علي هذه القرية
الكونية، فإنه
يدخل معك في (سينات) مرعبة، يقشعر منها الخيال من دون
أن يعطيك أية فرصة لتقول ما
لديك من (جيمات)، وتوضيح الغاية والهدف من التصوير في
مثل هذه الساعة من
الصباح.
ذلك يحدث معي مرارا وتكرارًا كلما قمت بفعل التصوير في
أي مكان في
ليبيا، شرقًا وغربًا وشمالا وجنوبًا، برغم من أني حائز
علي أعظم جائزة ليبية في هذا
المجال (جائزة الفاتح العظيم التقديرية في الفنون
والآداب، عن دوري الرائد في فن
التصوير عام 1999).
مما يلزمني عن قناعة كمواطن في المقام الأول – لا مجال
للمزايدة عليها - بأني أكثر حرصًا منه ومن غيره علي أمن
الوطن وسلامته، وما
الكاميرا عندي كفنان إلا أداة تنوير وتثقيف ووضع لقطاتي
علي كثرتها في إطاراتها
المناسبة.
والصباح الباكر في بنغازي مناسب أيضا للتصوير، لأن
النور المنبعث
من شمس الشموسة (كما تصفها فيروز في رائعة سيد درويش –
طلعت يا محلا نورها ..)، هذا
النور يبقى لبعض الوقت محتفظًا بطفولته ونعومته .. نور
لا يؤثر علي الأزهار في
المشاتل الزراعية الخصبة والمحيطة بالمدينة. مما يجعل
هذه النباتات على اختلاف
أحجامها تبدو أمام عدسات التصوير في مثل هذه الساعات في
أجمل عنفوان
شبابها.
في الجزء الأول عن بنغازي في رمضان وفي صباحها الباكر
ركزت في
تصويري على سائقي السيارات من الذين لا يتقيدون باحترام
إشارات المرور في غياب شرطي
المرور .
أما هذا الجزء فقد خصصته لتصوير أكوام القمامة
المنسية طوال شهر رمضان عند كل ناصية شارع وزقاق، وتحت
أشجار حدائقنا العامة، في
لقطات عملت جاهدًا أن تكون أقرب إلي لوحات الطبيعة
الصامتة، متجنبًا قدر المستطاع
توجيه كلمات النقد إلي المواطنين خاصة، أو مؤسسات حماية
البيئة علي نحو
مباشر.
|