|
االعدد |
رئيس التحرير : فتحي العريبي |
|
|
|
تتنوع الكراسي بتنوع البشر وهكذا تنوعت الكراسي ، التي صادفتها في حياتي ، تماما مثلما تنوع البشر الذين التقيتهم في المشوار ذاته ، منهم من ترك أثر جميلا وذكرى طيبة ، مثل كراسي مقصف كلية الآداب . ومنهم من ترك أثر مرعبا ؛ مثل الكرسي الذي أجلسني عليه محقق ذات يوم ، ومنهم يذكرك بكرسي طبيب الأسنان " ما من صداقته بُد " ، ومنهم من يشبه كرسي الحلاق تغادره إلى الحمام مباشرة ! ومنهم مثل الكراسي البلاستيكية البيضاء ، تجدها في جميع المناسبات .
كرسي البلاستك الأبيض هذا ، هو كرسي هذا العصر ، تماما مثلما كان الكرسي الخشبي الذي يطوى هو كرسي خمسينيات وستينيات القرن الماضي .
كرسي البلاستك الأبيض هذا رأيته أول مرة في ( كاتلوج) قدمه لي الصديق العزيز صادق الشحومي ، اخبرني أن آلة إيطالية الصنع تنتج هذا الكرسي ، وأفادني أن خامته متوفرة ببلادنا ، وأكد لي أنه مشروع المستقبل . أعترف حينها أنني سخرت منه، حتى أنني قلت له مداعبا : ( العتبة جزاز .. والكرسي نيلو فنيلو ) ، والآن بعد مرور أكثر من ثلاثون عاما تحققت رؤية صادق ، صرنا نرى هذا الكرسي أكثر مما نرى أطفالنا ، فهو حاضر في المناسبات كلها ، وفي المقاهي ، وحدائق المنازل والدكاكين ، والمطابخ .. وفي شواطئ البحر، والمطاعم.. بل صار طاولة أكل ، فعندما يقبل نحو الجالسون في خيام المناسبات الرجال يحملون ( قصاع الرز، او المكرونة الساخنة ، الطافحة بالسمن ) وهم يطلبون التحلق ( خمسة خمسة !) فيقلب أقرب كرسيا ، فتصير قائمتيه العلويتين مكانا مناسب للقصعة ، ولا أدري كيف لم يبتكر له المهندسون حتى الآن ، وضعا يمكنه من الثبات من دون أن تثبيت قائمتيه السفليتين برجل من أرجل المتحلقين حول القصعة .
وتشرف هذا الكرسي بجلوس العديد من رؤساء الدول عليها عندما زاروا بلادنا .. وقد شاهدنا فخامة الرئيس حسنى مبارك ، والعديد من الرؤساء الأفارقة مرتاحين فوقها ، وهم في ضيافة الأخ قائد الثورة . واعترف لكم - رغم مغبة هذا الاعتراف ، وزعل أولادي الذين يبيعون كراسي مخصصة للكومبيوتر – أنه الأفضل ، والأرخص سعرا ، والأكثر راحة لمستخدمي هذه الأجهزة .
وفي حضور هذه الكراسي البيضاء سمعت تعليقا بليغا ، أتحفنا به شيخنا الفخم الأستاذ على مصطفى المصراتي ، فعندما انظم إلينا في مقهى من مقاهي طرابلس وقفت له ، متخليا عن مقعدي ، هاما بإحضار كرسيا من منضدة مجاورة . أمسكني من كتفي وقال: يا عمي بطل عبط .. عمرك سمعت عن واحد عاقل ساب كرسيه لواحد تاني . أطال الله عمر صديقنا الشيخ على المصراتي ، الذي يعرف ، بالتأكيد ، أن الناس يتركون - لبعضهم البعض – كراسي المناسبات البلاستيكية فقط ، أما الأخرى فدونها الموت .
|
|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |