تشكيلية - أدبية
غير مرتبطة بمواعيد تحديث ثابتة
 


العدد
الواحد والعشرون
01 ديسمبر 2006

السنة الثانية

 

رئيس التحرير : فتحي العريبي


عدد خاص يتناول الروائي الليبي القدير الأستاذ : محمد عقيله العمامي
رؤيته للكراسي - سيرته الذاتية - مؤلفاته العلمية والأدبية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 


سيرة  
كراسي العمر
(1)
الكرسي وعين الفنان

بقلم
محمد عقيله العمامي
mohagiela@yahoo.com

 

 


تصوير : فتحي العريبي - 2006
( أضغط علي الصورة لتكبيرها )



 

الكرسي وعين الفنان

عين الفنان الحقيقي لاقطة ، فعين الفنان التشكيلي ، مثلا ، تلتقط  الألوان .  وعين المصور الفوتوغرافي  تصير عدسة ، تتأثر بالضوء وتجذبها الزوايا ، فتلتقط ما تغفل عنه بقية العيون .

والصورة إن أعجبت الكاتب تلتقطها عينه .. بظلالها ، وضوئها ، وألوانها  فيختزنها ليزين بها – عند الحاجة -  مكان فكرته .

أما إذا كان الفنان مثابرا ، مأخوذا بفنه – كالفنان فتحي العريبي مثلا- فإن أعماله تكون ببساطة تحفا حقيقية يعجز الزمن على طمسها  ، أو التقليل من قيمتها .


العمامي في ضيافة العريبي - عش الحمامة - شتاء 2006
تصوير : سناء فتحي العريبي


أعتدت أن أجلس بمحل ، لأحد  أبنائي يبيع أنواعا وأشكالا متنوعة من الكراسي . وفي صباح يوم خريفي جميل  ، دخل علىّ صديقي فتحي تسبقه ابتسامته الدافئة الودودة . التفت يمينا ويسار ، ثم رفع يده ، وقال مهللا : يا سلام .

ثم أنزَلَ من فوق كتفه حقيبته وأخرج منها آلة تصوير ، وشرع يلتقط صورا للكراسي ، من زوايا مختلفة  .

تذكرت موقعة الجميل على شبكة المعلومات ، الذي اختار ( كراسي ) عنوانا له ، وتعجبت لعينه التي انتبهت لما لم انتبه إليه .

أعترف أنني كثيرا ما أخذتُ  بالصور التي يعرضها موقع كراسي . أذكر منها على وجه الخصوص  صورة رائعة  التقطها لكوم من كراسي صادفته في دمشق ! .. وأعترف أن هذه الصور  قادتني إلى مواضيعها الأدبية الجميلة .


تصوير : فتحي العريبي - دمشق 1988

وقف فتحي أمامي و قال : اسمع .. كلما مررت  من أمام هذا المحل تتملكني رغبة تصوير هذه الكراسي ، والبارحة علمت أنه لأبنك ، وأنك تقضي به بعضا من وقتك . هيا قم حدثني عن هذه الكراسي . قل لي ما الفرق بين هذا الكرسي ، وذاك ?.. هيا .

أجبته مبتسما : كرسي ! .. ماذا يكون أكثر من كرسي ؟ ولكنه أصّر على قيامي . رضخت له  وقمت ، فشرع يتتبعني بعدسته .

قف هناك .. أمسك بذلك الكرسي الأحمر ..  ( تشك .. تشوك )  .. أنزل يدك واجلس هناك عند ذلك الكرسي الأزرق .  ثم فتح عينه اليمنى ، و رفع اليسرى من خلف العدسة .

اسمع ! " قال : أريدك أن تكتب لي موضوعا عن الكراسي . ابتسمت ، وسألته متعجبا : عن الكراسي ؟ وماذا بمقدوري أن أكتب عنها ؟ .. ثم أنني لست كاتبا  عموميا  فهو ، فقط ، القادر على الكتابة عند الطلب  .

أحسست أن  إجابتي أزعجته ، فاستطردت  مازحا : حاضر يا أيها الفنان الجميل . سوف أكتب لموقعك موضوعا عن الكراسي . وسوف أجعلها من أجلك مقاعد مناسبات ليبية - خمسه خمسه ! - ما عليك  إلاّ أن تقلب الكرسي ! . حاضر كل ما أحتاجه مجرد  فكرة مناسبة يزرعها الله في رأسي ، الذي لم يعد ملكي كما كان  .

بعد أن غادرني ، انتبهت أن علاقتنا ، نحن الكتاب ، وثيقة بالكراسي ، لأننا   – على أقل تقدير– لا نكتب إلاّ ونحن جالسون عليها ! .. والفاخري – رحمه الله -مثلا ، عندما يكتب يكاد أن يصير وصلة متينة  بين المنضدة والكرسي .


خليفة الفاخري  وهو مستغرق في كتابة مقاله الأسبوعي في الستينيات  
( الصورة من أرشيف : محمد عقيله العمامي )

والكٌتّاب غالبا ما يطرحون مواضيعهم لجالسين على كراسي. ويغذون عقولهم – وأيضا بطوننا  من فوقها . ذلك إذا استثنينا الناقد نورالدين الماقني ، الذي لا يستوعب تماما ما يقرأ ، إلاّ وهو واقف !! .

ولما كان الأمر كذلك  أفلا تكون مثل هذه العلاقة مادة غنية للكتابة ؟   

وتذكرت المقال الممتع  الذي كتبه  الدكتور محمد المفتي ، والذي تناول الجانب البيولوجي في علاقة المرأة بالكراسي ( أنظر مجلة : كراسي العدد  الثامن - 27 نوفمير 2005 ) ، وكذلك تداعيت الدكتور نجيب الحصادي عن الموضوع ذاته ، وهو الذي لا يكتب إلاّ بعد أن ( يجلس على كراسي عقله ) العامر بالفلسفة ، وبالأدب والفن  ،  ( أنظر كذلك إلي العدد الخامس - مجلة كراسي - أغسطس 2005 ) ، فأيقنت بإمكانية كتابة شيء ما عن الكراسي .

وقفت عند هذا الحد ، وإن صرت أراقب بدقة زبائن المحل ، وهم يتفحصون الكراسي قبل ابتياعها ! . يشدني هذا الذي يختبر الكرسي بالجلوس فوقه ، وإلى ذلك الذي يبتعد عنه وينحني قليلا ويتأمل أرجله ، والآخر الذي يمسك  بمسنده ويهزه قليلا ، وذاك الذي يطبطب على مقعده ! .

انتبهت أنهم جميعا يحتاجون لهذه الكراسي ، وجميع الكراسي ، التي يتفحصونها تؤدي – تقريبا – الغرض نفسه . فما الذي يجعل سبل انتقائه مختلفة ؟ .

الإنسان، إذن، هو الذي يضع الفوارق في خياراته ، وفي تقييمه لاحتياجاته . وانتبهت أن الكراسي صارت تجذب انتباهي ، وأحسست أنها موضوع  يستحق أن نتفكر فيه ، وقد نكتب عنه ! .

 وذات مساء ، وأنا ما زلت أتفكر في مسألة الكراسي ، شاهدت  الرئيس السابق صدام حسين . جالسا على كرسي في قفص الاتهام  ، تماما مثلما سبق وأن رأيته جالسا ، قبل إطاحته ، يدير جلسة عمل لمجلس قيادته ، فتساءلت :  هل إحساسه بجلوسه على الكرسيين متماثلا ؟ أعني هل يشعر بالراحة ذاتها ؟ .

ولكن دعونا من السيد صدام ، فتبدل حاله يحول دون مقارنة منطقية  . إنما القاضي لم تتبدل أحواله ، فهو ما زال في موقعه .. فهل  يغمره الإحساس نفسه بالتميز أو القوة ، عندما يحاكم رئيسا- أو مسئولا مهما -  سابقا ؛ أو يحاكم لصا أو قوادا ؟.

ثم هل القاضي ، والمتهم ، والمحامي ، وممثل الادعاء  والشهود ، ومتتبعي الجلسة يغمرهم الشعور ذاته ؟ هل راحتهم فوق الكرسي متماثلة ؟  فالمكان واحد ، وسبب التجمع واحد ، غير أن أحوال بعض الحاضرين هي فقط التي تغيرت ! فهل الراحة فوق الكرسي بسبب مقعده الوثير ، أم بسبب قوة مركزه ؟ . وهل الجالسون في المسارح يحسون بالمتعة نفسها ، التي يحس بها الجالسون بمقاعد المحاضرات ، أو بمقاعد المحاكم ، أو بالمناسبات الاجتماعية ؟

للكراسي ، إذن ، مواضيع مثيرة ، وكثيرة ، وممتعة ! وهكذا وجدت نفسي مائلا للكتابة  عنها . ولكنني ظللت أياما أتساءل ماذا بمقدوري أن أكتب عنها؟ معظم الأمثلة التي تناولتها تتناول إحساس الغير .

وهذا موضوع يصعب التسليم بنتائجه ، ذلك لأن التسليم بصحتها أمر لا يمكن تأكيده . ولكن المواضيع التي تتناول إحساسنا الشخصي هي ما يمكن بسهولة تأكيد صحتها . فمثلا ، لو حاولت أن تسأل نفسك عن سبب انتقاءك لكرسي بعينه ، من بين كراسي الضيوف  بمكتب صديق لك  اعتدت التردد عليه ، فإنك لن تعرف الإجابة ولكنك بالتأكيد تنتبه أنك فعلا ترتاح بكرسي بعينه ، وأنك تنزعج عندما تجده مشغولا ، وأنك ستنتقل إليه بمجرد أن يقوم من كان يشغله ! .

لو تأملت هذه المسألة فسوف تجد لها أسبابا كثيرة بعضها تستطيع أن تفسره ، والآخر سوف يستعصى عليك ! .  

العلاقة وثيقة ، إذن ، بين الناس والكراسي ! . والعلاقات الوثيقة مثيرة ..  وهكذا  قررت أن  أجعل من علاقتي المباشرة بالكراسي موضوعا لمقالتي هذه .

العمامي تحيطه به الكراسي

   

   

"" أضغط علي الصورة التي تود تكبيرها "



قراءة أخري لإستكمال البحث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)-
قررت تتبعها من البداية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس العدد الواحد والعشرون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعريف بالمجلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرشيف المجلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجل الزوار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للاتصال بنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصفحة الرئيسية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


كراسي : أول مجلة لها سبق الريادة باللغة العربية وفي جميغ لغات العالم
المتخصصة في أدبيات وفنون الكرسي والكراسي

صاحبها ورئيس تحريرها الفنان الليبي : فتحي العريبي

^ ^ الانتقال إلي أعلي الصفحة ^ ^