(28) |
|
البرق يومض علي نحو موصول ، ونوره الباهر ينعكس في الأحداق وعلي زجاج النوافذ الموصدة في وجه الصقيع ، ورعود في الأعالي تنفجر دونما انقطاع والمطر من جهته يهطل بغزارة .
عصافير الدوري لملمت أجنحتها علي عجل وانطلقت إلى أعشاشها تتفقد صغارها ، أمواج البحر خرجت عن طورها وانخرطت في قتال مرير مع صخور الشواطئ ، والخلاصة أن الشتاء صار بلا منازع سيد الموقف .
الغيث المنهمر طال كل شيء ظاهر للعيان ، الأشجار المرتجفة في العراء وواجهات المباني الأسمنتية وتحولت الشوارع إلى قنوات مائية متحركة سرعان ما اقتحمت أوحالها عتبات البيوت وأرصفة الطرقات . ساعة الحائط الرتيبة تخبرها بإلحاح أن موعد لقاءها الأول معه قد أزف ، ومن دون الدخول في تفاصيل صغيرة ، ارتدت معطفا خفيفا علي فستانها وانتعلت حذاء طويل العنق ، تعطرت وسوت شعرها وهبطت درجات السلم الحجري مسرعة ، وهناك عند الناصية القصية والمغمورة لحافتها بالمياه وقفت تنتظره وتنتابها مشاعر شتي .
من بعيد من بين عشرات السيارات المتشابهة القادمة علي طول امتداد البصر لمحته مقبل يقود عربته البيضاء ، وسيجارته الأثيرة بين شفتيه ، ويديه القويتين تقبضان علي المقود بحذر شديد . فاضت عواطفها بدفيء مفاجئ ، فيما دقات صدرها زادت في الهيجان ، وداهمت وجنتيها دماء دافقة ، واندفعت تعبر الغدير لملاقاته ، غير انه لم ينتبه لوجودها كصفصافة كانت ترتعش في مواجهة عصف الريح وتحت زخات المطر ، وأستمر في طريقه محتميا في سيارته بذات الانتباه السابق والسيجارة ما تزال حية بين شفتيه . شعرت كأن شيئا بداخلها يفقد توازنه وينهار ، وبأن قلبها يفر هاربا من بين ضلوعها ، كما أحست بطعم الصدأ يداهم كيانها ويستقر لزجا كالحنظل تحت لسانها ، فتراجعت خطوتين للوراء ، انكمشت علي ذاتها مكسورة الخاطر ثم انقلبت عائدة إلى حيث لا تدري .
اعترضت سبيلها طفلة تحمل رسالة منه ، رسالة يرثي لحالها ، رسالة لم تسلم هي الأخرى من المطر ، وحين تمكنت من فتحها بصعوبة ، اكتشفت أن حروفها قد امتزجت بعضها في بعض .
النص
الكامل لأغنية : حبيتك بالصيف ، حبيتك بالشتي
بإيام البرد .. إيام الشتي
والرصيف بحيرة .. والشارع
غريق
هي الصوت والصدي
، رجع
الناي وهديل العود
حمامة في مهب الريح |
|
|
|
|
|
غلاف الكتاب
|
|
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور هذه الصفحات إلا بإذن كتابي من المؤلف فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية . |
|
مواقع أخري جديرة بالتصفح |
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |