|
(29) ( عن أغنية : حبيبي قال انتطريني بأول الصيف ) لنتخيل معا سيناريو لواحدة من أغاني هذه المبدعة العظيمة وليكن مدخلنا إلي ذلك علي هذا النحو
تطير حمامتنا البرية في وجه الريح ، كانت لحظتها تجاهد وتطير ، تخفق بأجنحتها الرمادية وتراوغ الريح ولما تعبت وأرهقها المشوار حطت علي جذع شجرة هرمة تعود إلي الأزمنة الفينيقية السحيقة ، وهنا طفقت تنوح بما في قلبها من أشجان :
وعدني حبيبي
ظلت حمامتنا البرية تنوح وتتذكر ، فتناهي هديلها المجروح إلي أسماع عصفورتين من عصافير البراري القمحية اللون ، من اللواتي كن يتسكعن في الأنحاء المجاورة ، طارت إليها العصفورة الأولي ثم لحقت بها الثانية وحمامتنا ما تزال ساكنة فوق جذع الشجرة وتنوح :
حبيبي ضيعني
فاقتربت منها العصفورة الأولي ، عصفورة رحالة خبيرة بالأحراش الجبلية ومنحنيات الوديان الوعرة ، عصفورة مجربة في منتصف عمرها ، دنت منها وقالت لها مواسية :
ضيعتنا
قريبة
وقبل أن تنهي العصفورة الأولي تغريدها تدخلت العصفورة الثانية وكانت علي ما يبدو من حركاتها ولفتاتها لم تكتوي بعد بلوعة الحب ، عصفورة شابة سألت الحمامة الغريبة هكذا :
حبيبك
لملمت حمامتنا الخرافية أفكارها المبعثرة ، سوت ريشها كيفما أتفق وقالت تبوح بسرها :
حبيبي قال انطريني
إذ ذاك غاص هديلها داخل صدرها وأدركت أنها تمادت في بوح ما لا يباح للغريبات من العصافير البرية فيما تزاحمت في رأسها الصغير المشاهد القديمة واعترتها نوبة من الأرتعاشات السريعة وغابت عن العصفورتين ، بل عن جميع العصافير التي أقبلت من كل حدب وصوب لسماع حكايتها الحزينة بينما حمامتنا البرية طفقت تقلب صور الماضي.
صورة وهي تنتظره دون جدوى عند الشجرة العتيقة ، وصورة تبدو فيها واقفة علي حافة جرف مرتفع في العراء وقد لوحتها شمس الصيف المحرقة ، وصورة ضبابية كانت من أشد الصور وطأة علي نفسها ، صورة هي بمثابة قفلة ننهي بها حكايتنا هذه ، صورة تبدو فيها وقد عصرها الخجل منه ومن حالها لأنه حين عاد أخيرا لم يعرفها .
|
|
|
|
|
|
غلاف الكتاب
|
|
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور هذه الصفحات إلا بإذن كتابي من المؤلف فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية . |
|
مواقع أخري جديرة بالتصفح |
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |