|
(22) للعام 1956 ذكرى خاصة في نفس السيدة فيروز، فقد رزقت بابنها الأول زياد، ومع هذا العام بدأت إطلالات فيروز والرحابنة في مهرجانات بعلبك، وزادت شهرة هذا الثلاثي المكون من فيروز والأخوين رحباني، وبدأت حفلاتهم تجوب العالم، وكان لأغنية راجعون صداها الكبير. ولم تكتف فيروز بالغناء للأخوين رحباني، بل تعاونت مع عدة ملحنين ، مثل فيلمون وهبي، وحليم الرومي، ومحمد محسن، ومحمد عبد الوهاب، واستقرت بالنهاية تغني من ألحان ابنها زياد الرحباني. وكانت حفلاتها ناجحة في جميع أنحاء العالم، فلم يكن يخلو مقعد من مستمع في حفلاتها، فقد غنت في قاعة ألبرت هول في لندن، والأولمبيا في باريس، وغنت أمام أهرامات الجيزة في مصر وفي مدينة نيويورك. وحصلت على عديد الجوائز خلال مسيرتها الطويلة، كانت البداية مع وسام الأرز اللبناني من رتبة فارس عام 1962، ووسام الاستحقاق السوري بعدها بخمسة أعوام. ووسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الفخر الفرنسي من رتبة قائد عام 1988، وتسلمت عام 1997 مفتاح مدينة القدس وجائزتها، ووسام الثقافة الرفيعة من تونس عام 1998. ولا يدل هذا إلا على مكانتها البارزة في حركة الأغنية العربية. فهي حين تغني كل صباح يتوقف الزمن ويُستبدل بالصوت، فتصير الدقائق كلمات، والثواني ألحان، وينسى المرء الوقت وما يعنيه، ويتولد الإحساس الذي ما عرفه الإنسان يوماً، إحساس أن الحياة كلها مجرد نغمة صباحية لا تعرف النعاس.. إبان الحرب اللبنانية، لم تترك السيدة : فيروز لبنان، بل ظلت فيه رافضة النزوح منه، ممثلة بذلك أعلى درجات حب الوطن والانتماء. وحتى حين فقدت ابنتها ليال بعد أن تعرض منزلها لقصف صاروخي ظلت على موقفها. وبقيت طيلة فترة الحرب منقطعة عن الغناء في لبنان، حتى لا تُحسب أنها منحازة لفئة ضد أخرى. وما أن سكنت رحى الحرب مع بداية التسعينيات حتى أهدت شعبها ألبوم " كيفك إنت " حملت كلماته وألحانه توقيع ابنها زياد الرحباني، ثم أقامت حفلاً كبيراً في بيروت عام 1994، ثم عادت إلى بعلبك بعد طول انتظار عام 1998، ومن بعدها أحيت لسنتين متتاليتين حفلات ندر مثيلها في مدينة بيت الدين الأثرية.
يحلو لكثير من جمهور فيروز الاستماع لغنائها صباحاً. فلصوتها سطوة على السمع ، ولوقعه على الأذن صدى يقربه أكثر فأكثر إلى أعماق النفس ومكنوناتها. صوت فيروز يعطي أملاً،ويضفي على الجو رونقاً. فغناء فيروز الشجي هو أقرب إلى الصلاة منه إلى الغناء. فيه يرى السامع نفسه، ويقترب أكثر فأكثر من ذاته مانحاً نفسه وقتاً أطول مع صوت يعكس النفس في المرآة ، فتبدو في أبهى حللها، لابسة لبوس عيد من نوع آخر، عيدٌ تتراقص فيه الألحان تحية للسامعين، وتتوالى فيه الكلمات جزيلة تعطي اللحن جمالاً ، وتأخذ منه أبهة. و حين يكون ذلك الصوت الفيروزي الساحر متجاوباً معهما
صعوداً وهبوطاً، كما يكون دائما، يصنع جواً تتآلف فيه أصوات الكمنجات و
النايات جنباً إلى جنب مع الكلمات، فتنساب الأحاسيس ولا يعرف لها بداية أو
نهاية ويظل السامع على حالته هذه ثملا يتمايل طرباً معها متمنيا البقاء هكذا
إلى أن يتلاشى الصوت المائي مبقيا في الأذن رنات من الأسى وبريقاً لامعاً
دالا على حدة الصوت ونعومة نصله. هذا الخليط الساحر، يعلق في الأذن ولا
يبرحها، يبقى فيها أبداً، متسللاً إلى أعماق القلب، حيث يسكن ناثراً عطره
(23) البعلبكية |
|
|
|
|
|
غلاف الكتاب
|
|
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور هذه الصفحات إلا بإذن كتابي من المؤلف فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية . |
|
مواقع أخري جديرة بالتصفح |
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |