|
العدد
الثامن |
رئيس التحرير : فتحي العريبي |
|
المرأة |
|
|
|
المرأة على كرسي تبدو كما لو كانت هناك علاقة انسيابية ! لها جمالها الخاص، تكامل بين جسد المرأة وخطوط الكرسي ! ما سر هذا الإيحاء الخاص؟ هكذا سألني الفنان فتحي العريبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
( 1 )
استدعاء
الحبيبة
أولا:
يبحث الفنانون عادة عن العلاقات الجمالية ، بين الإنسان والمكان والضوء
والبيئة
ثانيا:
يبحث الفنان والمتلقّي ، في أي تشكيل فني ، عن علاقات تعزز خياله وعواطفه
ثالثا:
لو أبصرت بعين الخيال سترى أن الكرسي التقليدي ، الوثير ذي الذراعين ، ومع ذلك قد تكون هناك علاقة تشريحية بين جلسة المرأة والكرسي ، أقصد زوايا إتكائها ، إرتخائها ، توتر عضلات جسمها لإبراز مفاتنها أو التعبير عن انفعالاتها في تلك اللحظة . وهنا نحتاج إلى التنقيب في أغوار النفس الإنسانية والحيوانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وضع الاسترخاء
عكس ما يظن الأدباء والعامة ، الأنثي هي الأكثر عدوانية بين الطيور والحيوانات عمومَا ! لكن الذكر يحتاجها للمزاوجة ولرعاية الذرية أساسا ، وما الانفعالات التي نسميها بالحب والوله والشبق ، إلا سلوكيات ثانوية لخدمة تلك الأغراض الأساسية. ثم إن الأنثي في مراحل قابليتها للإخصاب والحمل ، تمسي أكثر تقبلا لنزوات الذكر ، تحت تأثير الهرمونات الجنسية . ومن هنا قد يكون وضع الاسترخاء إشارة إلى تقبلها لمغازلاته. وبالمقابل لا عجب أن يكون وضع الاسترخاء أكثر إثارة للذكر ، لأن قوانين التطور البيولوجي ، عادة ما تنمي لدي الكائن الحيّ استجابات وأجهزة إلتقاط بصرية أو شمّية .. الخ ، للتعرف على ما يطرأ على الطرف الآخر من تغيرات.
فهل لكل هذا اختار الرسامون والنحاتون وضعان أساسيان
للمرأة : الإستلقاء
واحتضان الطفل؟ |
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجل ..
كل رجل ، أسير لغز أزلي محير !!
ما حقيقة وتفاصيل تجربة الطفولة ، التي تمر قبل أن تبدأ
الذاكرة في تسجيل الوقائع. |
لكننا بحكم ما لدينا من خيال وفضول وقدرات على الاستنباط وتركيب الصور .. نملأ تلك الفترة بشتي الصور طمعا في استعادتها .. بدرجات متفاوتة من الوضوح والحدّة طبعا. ولاشك أن هذا اللغز المستحيل يساهم في تغذية وتشكيل عواطف الرجل تجاه المرأة ، ويكرس علاقة الأم- الطفل / الرجل ، في إطار شبه قدسي. لهذا تكون علاقة الإحتضان الأمومي في تشكيل فني ، مؤثرة . وفي ظني أن استرخاء المرأة على الكرسي أو الكنبة أو السرير .. يسبغ عليها هالة ملائكية ، من السماحة والسلام الذي يبحث عنه كل رجل وكل إمرأة في صورة الأم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
( 4 ) استثناءات
طبعا كانت هناك استثناءات : من ذلك لوحة لوتريك لراقصات كازينوهات باريس ، التي رغم جمال ألوانها الفاقعة ، تصور نساء ، في أوضاع لا جمالية ، لأن الجسد بالنسبة لهن ، مجرد آداة لكسب رزق في مبغى.
هناك أيضا لوحات ومنحوتات يكون الإسترخاء فيها إشارة إلى الموت ، كما نرى في عشرات اللوحات التي صورت المسيح بعد صلبه ، بين يدي مريم المجدلية ، وفق النص الإنجيلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
( 5 )
ثمة مفاهيم متوارثة اجتماعيا ، تحدد كيف تقف المرأة وكيف تجلس ، وكيف تمشي .. وجميعها أوضاع تكرس صورة المرأة كأم وخليلة وزوجة .. نموذجـًا للجمال والحب والخير. وتنطوي هذه الصورة الاجتماعية بالطبع على إشارات حركية غريزية تخدم في المدي البعيد التناسل والأمومة. ولعل لوحة بيكاسو تحمل أكثر من غيرها هذه الدلالات المتداخلة.
قد يطمس المنظور البيولوجي.. شيئًا من الإيحاء الرومانسي الذي
ينشده الفنانون ، وكان لقرون وراء ابداعاتهم الفذة. لكنه يمنحنا نسقا عقليا
يفسر ظواهر وصورًا شتي .. وهو لا يقل رومانسية لدي ممارسيه عن خيالات
الفنانين وهمومهم ، لأن الجسم الحي هو أجمل ما يمكن أن تقع عليه عيوننا
البشرية على سطح كوكبنا الأرضي. |
|
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
( 6 ) جسد الأنثى والكرسي
بمثل هذه التحليلات الأساسية التي تتلمس جذور المسألة ، نكون قد استبعدنا مسائل خلافية مثل علاقة المرأة بالكرسي في ثقافة ما مقارنة بأخرى ، وتطورها عبر العصور. وعلينا ألا ننسي أن موضوعنا في الحقيقة .. مقصور على الثقافة الحديثة المؤسسة على الثقافة الأوروبية .. التي ابتكرت الكرسي ، وفن الرسم التشكيلي ، وتحرير المرأة .. والرومانسية. فهل يكفي أن نقول أن انسيابية العلاقة بين جسد الأنثى والكرسي الذي تجلس عليه ، ليس سوى انطباع (بالمعني الذي استخدمه التأثيريون) أو وَهَم .. يعكس شيئا من الحقيقة الأكثر تعقيدًا وغموضًا .. تماما مثل بهاء الألوان التي تسطع بها الألعاب النارية لبضع ثوانٍ في تشكيلات مذهلة .. رغم أن مصدرها تراب أقل من عادي المنظر. ومع ذلك ثمة جانب خفي في أنفسنا ينشد الجمال ويستعذبه ، ويستوحيه حتى في أبسط الأشياء .. نوع من الإيهام .. الممتع ! فما الذي يمنع أن يثيرنا مشهد إمرأة جالسة أو مستلقية .. وهذا ما أثار خيالات الفنانين.
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــ |