|
العدد
الخامس |
رئيس التحرير : فتحي العريبي |
|
صوت الناس : كفاية ُEnough ربما يكون التخلف عن الركب حالة طبيعية لمن سار في المقدمة طويلا، فقد تَعب وعليه التمهل قليلا لالتقاط الأنفاس، ولكنه بالتأكيد لن يكون طبيعيا حين يتحول إلى حركة نحو الخلف، أو جمود في المكان، كما هي حالتنا الآن.
جمود يصل إلى درجة أن الشخص منا يولد ويموت عن عمر يناهز التسعين ولا تتسنى له الفرصة حتى ليكون بمرتبة شاهد عيان على حدث ما يستحق الذكر، فهو يولد في عهد إمبراطور من الأباطرة .. ملك من الملوك .. أمير من الأمراء .. رئيس من الرؤساء ، أو زعيم من الزعماء ، ويموت في عهده ، يولد برشوة لطبيب التوليد ويموت برشوة لمكتب دفن الموتى، يولده يملؤه الأمل ويموت مختنقا باليأس، يولد يحلم بالحرية والكرامة والطمأنينة والنجاح و.. و.. و.. ويموت وقد أضافها إلى قائمة المستحيلات التي كانت ثلاث. له الحرية فقط في أن يصفق ويهز رأسه ويقول حاضر يا فندم.. حاضر يا بيك.. حاضر يا باشا.. حاضر يا أمير.. حاضر يا رفيق.. حاضر سيدي ..حاضر.. حاضر.. فلا فرق بين الجميع، تعددت الأسماء والبيك واحد. الجهل ضارب أطنابه، فنسبة الأمية تتناقص بفعل الوفيات فقط، وإن تقدمت فإنها تتقدم على ظهر سلحفاة تعاني من الروماتيزم وكل خطوة بأنة وضر…، وشهادة فقر الحال التي كانت سابقا تعطى للمواطن الذي يعاني من ضيق العيش أصبح بالإمكان الآن إعطاءها لأحياء بكاملها، الساحات تحولت إلى بورصة للعاطلين عن العمل، يجلسون فيها من الصباح إلى المساء بانتظار فرصة يمنحها لهم مغامر قرر بناء سقف أو قطاف موسم، القضاء أصبح مفتاحا معلقا في علاقة مفاتيح الحاكم، ومن أوكل إليهم الأمن اصبحوا مصدر الخوف، والتعذيب هو لغة الخطاب الأساسية في التحقيق، والهجرة إلى خارج هذا الجحيم أصبحت حلما، للمواطن الأمي كما لحامل الدكتوراه في الفيزياء، أصبحنا مستعدين للغرق في البحر طالما هناك احتمال بالخروج، حتى لو كان ذلك الاحتمال ضعيفا، العالم لا مانع لديه أن يقف خلف سيخ الشاورما، أو خلف بسطة فجل في بلد ما، خارج الخارطة العربية، ذلك أنه وبكل بساطة لديه من الكرامة خلف بسطة الفجل تلك أكثر مما لديه في بلده، أما الانتخابات فهي حزورة بحاجة إلى فك طلاسمها، فعملية الانتخاب بحد ذاتها تعني الاختيار، وهذا يعني بين أمرين، أما في بلادنا فهي بين أمر واحد، ومن باب التجميل فربما يصبح هناك في القريب العاجل إمكانية للاختيار بين الخيار والفقوس، حيث يزمع البعض السماح للفقوس بـ (المنافسة) في الانتخابات، ولا داعي للتذكير بكوميديا الأربع تسعات، التي شرشحتنا أمام خلق الله. والذي يبعث على اليأس أن أي تطور للخروج من هذا كله لا يحدث، وإذا حدث فهو عادة ما يكون رقعة جديدة تغطي تلك المنطقة الرثة التي يكاد يبدو عُرينا من تحتها في ثوبنا المليء بالرقع أصلا. إن الحل الوحيد للخروج من هذا المستنقع هو أن نقول ( كفاية ).. كفاية لكل هذا… كفاية تسعات..كفاية جهل.. كفاية بطالة وفقر.. كفاية قمع.. كفاية رشوة وفساد.. كفاية اختلاس وبذخ.. كفاية .كفاية لكل العصي في عجلات تطور بلداننا.
|
|