|
العدد |
رئيس التحرير : فتحي العريبي CV |
|
الموجز في تاريخ الكرسي |
خالد القشطيني |
أصبح القوم يتنافسون ويتقاتلون على الكرسي. وطالما كان الأمر كذلك فمن المهم للمتعاركين أن يلموا بتاريخه(**) . إذا كان البرد قد فرض على الأوربيين النشاط والحركة ، فإن الحر فرض على العرب السكون وحب الراحة . يفعلون ذلك بالاستلقاء والانبطاح والنوم معظم الأوقات . ولما كانت البادية رملية يابسة فقد وجدوا الاستلقاء والجلوس على الأرض يسيرا وعمليا . فضلا عن ذلك وجدوا أن الهواء البارد يوجد في الأسفل . راحوا ينشرون الحصير والوسائد والسجاد على الأرض ويقضون حياتهم دون حاجة للكراسي .
بيد أن انتقالهم للحواضر كشف لهم وساخة أرض المدن ورطوبتها وطينيتها . اقتبسوا الكراسي من الأعاجم والروم . ولكنهم جعلوها تتلاءم مع بداوتهم ، أي الاستلقاء والاضطجاع. فضلوا السرير والتخت على الكرسي . وفرشوا عليه الحصير والسجاد والوسائد والفراش. واستلقوا عليه بارتياح . وهو ما نجده في المقاهي القديمة التي تعرف التخوت وليس الكراسي. ولكن العرب نظرت للتخت كبدعة . وهو ما عبر عنه ذلك الأعرابي الذي ذهب لزيارة معن بن زائدة ، فوجده جالسا على تخت وثير فهجاه قائلا :
أتذكر إذ
لحافك جلد شاة - وإذ نعلاك من جلد البعير
وعندما يضطجع المرء على السرير يتوجه نظره للسقف . وعندها أبدع المسلمون في تزويق السقوف بالأشكال الهندسية الرائعة كما نجد ذلك في سقوف قصر الحمراء وفي بيوتنا القديمة وتجاهلوا الجدران .
بالتقاء الشرق بالغرب اقتبس الأوربيون من العرب حب الراحة كما تجلى في استعمال الوسائد ، فأخذوا يضعونها على كراسيهم الخشبية الفظة . ولكنهم استعملوا ذهنيتهم العملية فراحوا يثبتون الوسائد بالمسامير على الخشب . وهكذا ظهر فن التنجيد وسرعان ما أبدعوا في تزويق وتطريز القماش . اعتاد المسلمون على التزويق بالأشكال الهندسية والزخارف التجريدية ، ولكن الأوربيين مولعون بالتصوير ، فأخذوا ينسجون القماش مزينا بصور البشر . وجدوا هنا صعوبة . فولعهم بتصوير شخصيات الكتاب المقدس لا يتلاءم مع الكنبات والكراسي فليس من التقوى أن يجلس الإنسان على صورة المسيح أو مريم العذراء .
استبدلوا بذلك بصور آلهة الإغريق : أفروديت – فينوس - أبوللو ، ونحو ذلك . ولكن الميل الإنجليزي للديمقراطية واحترام الإنسان منع المصمم البريطاني من وضع صور بشرية على مقعد الكرسي واكتفى بوضعها على الظهر. ووجد من غير اللائق أن يجلس إنسان على إنسان . آثر نقش المقعد بالأوراد فكلنا نصبو للجلوس بينها . وكان اقتباس الكراسي والجلوس عليها من المؤثرات الغربية على حياتنا الاجتماعية بما تضمنته من نشر الروح الفردية . فالتخت اشتراكي يسمح لجلوس أكثر من شخص واحد .
والكرسي رأسماليا مخصص لشخص واحد . وهكذا أجد حلول الكراسي محل التخوت من مصائبنا السياسية . فلم نسمع في تاريخنا عن الجري وراء تخت أو التشبث بتخت كما أخذنا نسمع عن الجري وراء الكرسي والتشبث بالكرسي . وسأبقى أتساءل، أيا ترانا سنخفف من مشاكلنا السياسية ومظاهر الفساد لو أننا استبعدنا الكراسي وجعلنا المسئولين يجلسون ويعملون على الحصران .
(*)-
نقلا بتصرف عن :
http://almalafpress.net/?d=171&id=92489
|
جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة كراسي www.kraassi.com ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور وموسيقي هذه المجلة والمنشورات الصادرة عنها إلا بإذن كتابي ، فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية . كراسي : أول مجلة لها سبق الريادة باللغة العربية وفي جميع لغات
العالم
|