تشكيلية - أدبية
تصدر أول كل شهر
 

العدد
الخامس والثلاثون

01 فبراير 2008
السنة الثالثة
 

رئيس التحرير : فتحي العريبي CV


 

 يوميات
كرسي مسئول



قصة
للكاتب المصري(*)
الأستاذ : ناجي السنباطي
 

 


 


 

للاستماع للموسيقي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشط الصفحة بالضغط علي مفتاح
F5



صور الكراسي المدرجة مع هذه القصة
من أرشيف مجلة : كراسي - وهي لا تعبر حرفيا عن مجريات
أحداث قصة : يوميات كرسي مسئول - بقدر ما تسعي لتقريب الفكرة الذهنية.. ليس إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

م . أحمد العريبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستشار الفني
http://www.kraassi.com/index_dwaer.htm


أنا كرسي مجرد كرسي مثل آلاف الكراسي ولكن حظي العاثر جعلني كرسيا غير كل الكراسي رحلتي طويلة وعجيبة كنت جزءا من شجرة قطعوني عندما قطعوا أمي الشجرة صرخت ولم يسمعني أحد أو سمعوا وتصنعوا عدم السماع فذهبت صرخاتي ومناداتي أدراج الرياح ولم أسمع سوى ضحكات العمال إلا بعد حين وقائل منهم يقول: وماذا يفيدك يا مسكين وقد قطعت أمك ؟! ماذا يفيد الفرع إن قطع الأصل ؟! فلا غذاء ولا شراب حتما سيموت.

بكيت قلت لهم : ليتكم قطعتموني ولم تقطعوا أمي الشجرة ، فهي تعطيكم الظل في الحر الشديد وتعطيكم الثمار ذات المذاق الحلو وهى تعطيكم الدواء وتعطيكم الغذاء ، ولكن لا مجيب لتوسلاتي ولا حياة لمن تنادى ، قدت قلوبهم من حجارة قطعوني حينما قطعوا أمي وقطعوا معها آلاف الأمهات وآلاف الأبناء ونسوا أنهم يقطعون حياتهم فنحن الظل ونحن الثمر ونحن الأوكسجين الذي يتنفسونه .

استخدموا المناشير الكهربائية في تسويتنا وتهذيبنا ثم نقلونا إلى المصانع لنصبح آلاف القطع من الأخشاب ثم وزعونا على الورش فتولانا عمال مهرة صنعوا منا الأثاث المختلف الألوان والأشكال ، لقد حولونا بأناملهم المبدعة وعقليتهم العبقرية إلى تحف جميلة ثم أعطونا المكياج اللازم فصرنا كالعرائس في يوم عرسهن ثم عرضونا في غرف مشيدة جميلة انتظارا للفحص والمعاينة ثم جاء من اشترانا بعد مزاد لا أول له ولا آخر على أساس القيمة الفنية التي وضعت فينا ، واغتنى بسببنا من اغتنى ولكننا ظللنا مجرد أخشاب حتى ولو صرنا تحفا يقتنيها من يقدر .

كان نصيبي في الورشة وأنا فرع الشجرة البكر أن أكون كرسيا وكان نصيبي بعد الصناعة والمكياج أن أكون جوهرة التاج في المعرض ولذلك كنت قبلة الناظرين ومن ثم كنت أول من أشترى بعد مزاد عنيف تخلله فصال وجدال ومساومات وعمولات .

كان سيدي الذي اشتراني في المزاد المخيف مسئولا من المسئولين تحوطه الأبهة والخدم والحشم من كل جانب ، اشتراني لكي يجعلني عبدا فصار مع الأيام عبدا لي !! اشتراني وسدد ثمنى بشيك حكومي ونقلني الخدم والحشم والحراس في رفق وحنان فوق سيارة حكومية إلى قصر حكومي لم أسمع عنه من قبل ولم أر له مثيلا  وفى غرفة مكتب سيادته كان مرقدي ومقري .

مرت الأيام على وأنا على هذا الحال أسمع وأرى وأصمت ، كل الحياة بمشاكلها ترقد أمامي كل الصفقات وكل الاتفاقيات وكل الألاعيب والحيل غير خفية على  وكيف يخشون كرسيا !! خلاصة القول أن كل الأسرار معي ولكنها في بئر لا قرار له فمن يقدر على استخراجها أو حتى معرفتها من كرسي مخه خشبي   !؟ .

موقعي يحسدني عليه كل الخشب المصنع ومعهم حق في ذلك فمن يمتطيني يوما مسئول كبير بيده يوقع آلاف القرارات يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ولا يقدر عليه غير الله ، يأمر فينفذ أمره فورا يتهافت عليه الناس في إجلال وفى تقدير واحترام مشوب بالخوف ، ولكنه أمامي عاري من كل هذه الأبهة عاري حتى من ورقة التوت ، سمعته وشاهدته وهو الجبار المتكبر المغرور وسمعته وشاهدته وهو في مكتبه منفرد بنفسه وبخوفه وكم تحدث بالتليفون فإن كانت زوجته صبت عليه جام غضبها ولم ينطق بكلمة سوى حاضر أنا آسف أمرك ، كانت المرأة تملكه تماما وكانت في كل مرة هي الآمرة الناهية ، وكان أهم أوامرها  طلبات( ننوس عين أمه ) ولم يرد لها أمرا أبدا وأصبحت طلبات (الننوس ) تنفذ في الحال هكذا حاله أمام زوجته وأمام دلوعتها (الننوس) وكانت تطلب منه أشياء عجيبة حتى سيارات العمل الحكومي مادامت قد أعجبت ( الننوس ) وأرادها كانت له عن طريق الماما التي تأمر المغلوب على أمره فينفذ بعد أن يرفض ويقول" يا ستى أنا " هذه عهدة حكومية  !! تقول وإيه يعنى حد بيحاسبك ؟!! ثم ينفذ ويبحث عن مخرج لهذا الفخ  ،أما إذا كانت المتحدثة إحدى المعجبات وهن كثر !! إعجابا بسلطته وما تفتحه من أبواب وغير ذلك من الأمور تراه قد تحول إلى عاشق متيم رقيق المشاعر .. قلب طفل وعقل طفل!! يذوب رقة ويفيض حنانا أما ما يحدث حينما يكون على الخط مسئول أكبر ، أجده يتصبب عرقا في شهر طوبة من أشهر الشتاء وتأخذه رجفة ما بعدها رجفة وقد أصبح التليفون في مخيلنه هو المسئول بشحمه ولحمه ودمه !!.

هكذا حدث وهكذا كان وهكذا كان  موقعي القريب منه نافذة تطل على الحقيقة كل الحقيقة ومرآة صادقة للإنسان  في جبروته وفى ضعفه.

مرت بنا الأيام يسابق بعضها البعض  ومرت بنا السنوات ومن سرعتها خلتها أياما ، وأنا في هذا الموقع أراقب وأسجل وأصمت ، فلمن أفضى بمكنون قلبي ، وحتى في إجازات سيدي كنت أيضا المراقب والسامع والشاهد والمشاهد ففي الإجازات يجلس آخرون على الكرسي الذي هو أنا في غياب صاحبه وما هو صاحبه ولكن الأوراق تقول : إنه صاحبه  وهؤلاء الجالسون مؤقتا حينما ينفردون بالمكان وبكرسي الزمان يقفلون الباب وتراهم على طبيعتهم وقد تجردوا من الشكل الرسمي وبانت النفس البشرية عارية قبيحة ، هم في جلستهم ولا زائر يكشفهم ، يقومون يدورون حول الكرسي يتحسسون عضلاته الخشبية ويتمنون الأماني ويعبرون عن الرغبات القابعة في أنفسهم ، أكاد أسمع زفراتهم وآهاتهم وهمساتهم ، متى يكون هذا الكرسي لي ؟ ألست أحق به من هذا المتأنق الذي أخذها بغير حق ؟ ألم يتخطانا لقربه من المسئول الأكبر ؟! متى تكون لي أيها الكرسي من خشب وأصماغ ومسامير ؟! ماذا فيك من سحر ؟! .

يحاورون الكرسي حضرة المبجل أنا !! يجادلون الكرسي وكأنه من لحم ومن دم !! وأنا صامت لا أستطيع أن أرد ولكنني على علم بما بدخائلهم فهم عرايا أمامي كما ولدتهم أمهاتهم ، لقد صرت في نظرهم الأمل والحل ، ليس لقيمتي من خشب ومن دهان ومظهري الجميل وإنما لما يشكله مقعدي من سلطة ومن قوة ومن مصدر للطاعة والهيبة  ،كل الأبهة التي يحلمون بها .

كان هذا دائما حالهم فلما يعود الصاحب الرسمي طبقا للقرارات يعودون إلى ساقية العمل ، يلفون فيها ويقودهم بكرباجه أو بلطفه ، وما وجدت تفسيرا لهذه العلاقة سوى علاقة السيد بالعبد والعبد بالسيد ، يريد العبد قتل السيد ولكنه يظل عبدا لأنه عاجز دائما وإنما هي مجرد رغبة دفينة ومجرد أضغاث أحلام ، فسرعان ما يعود إلى دور العبد ، ويعرف السيد ما يدور بعقل العبيد ، ولكنه لا يقلقه لأنه كان يوما عبدا لسيد أكبر ولم يزل عبدا لسيد أكبر ولكنه في نطاقه سيد على عبيد منهم أسياد أقل مرتبة .

الحديث في موقعنا لا يتوقف ، الكل يشارك في الحديث حتى العمال يحكون الذكريات عن الكراسي السابقة وعن المسئولين الذين جلسوا عليها ومن أستمر على كرسي سلفه ومن أمر بتغييره ومن يتفاءل بالكرسي القديم ومن يتشاءم منه ويطلب إحلاله بكرسي جديد حديث مزود بتكنولوجيا جديدة تعطى المزيد من الراحة ومن الاسترخاء ، بل هناك من يصر على استيراد ( كرسي أمريكاني )...!! ، يتحرك آليا يريده كرسيا حديثا يتم توجيهه عن بعد !! يريده أمريكيا ( ونحن أهل الصنعة ) !!

أما رحلة الكرسي القديم  فيذهب إلى المخازن أو إلى مسئول أقل  وقد يحتاج إلي  ترميم ، فإذا فشل الترميم أودع مخزن الخردة حتى يتم  بيعه في مزاد كما بدأ أول مرة ، ولكن الأولى كان المزاد لغلو ثمنه أما المزاد الأخير فهو لانتهاء أمره وتفاهته ومعاملته كخردة  يتم تدويرها فيما بعد لتدخل في قطعة جديدة أو لا تدور وتذهب إلى المحرقة لتلوث الجو بما يتصاعد منها من ملوثات بحكم الاستخدام والزمن أو بحكم طبيعتها وعموما من التراب بدأنا والى التراب انتهينا ، وقد يعتز المسئول السابق بالكرسي فلا يذهب إلى التدوير أو إلى الحرق ويأخذه معه إلى منزله  ليجلس عليه ويذكره بالأيام الخوالي وليؤنس  وحدته بعدما ذهب الجاه والسلطان ، وقد يعده ليجلس عليه الأبناء من بعده !! وقد يكتفي بوضعه كأثر من الآثار أو يتبرع به للمتحف ليتفرج عليه الناس .

إخواني مرت على السنون وأنا الدليل والبرهان وكاتم الأسرار ، أنا الحقيقة التي لا يوجد بعدها حقيقة ، يتبادلني المسئولون كما يتبادلهم المسئولون الأكبر منهم مركزا ومسئولية ، لم أنحن  ولم تضعف همتي إلا بحكم الزمن وحكم الجالسين الجدد من الأوزان الثقيلة  التي كسرت أضلعي أو الأوزان الخفيفة التي سبحت في الهواء .

شاهد على كل شيء فلا أنا قادر على البوح  ولا أنا  قادر على الإفشاء ، وكما  كبر كل مسئول فوق أكتافي وكما صغر كل مسئول بعدما أهملني ، وكما تلاشى كل مسئول فجأة  كما جاء فجأة أأحسست بالتلاشي ، شعرت بذهابي إلى المخازن وتخيلت رحلتي إلى المحرقة أو  استخدامي كقطعة صغيرة في كرسي جديد ، ذلك يوم قال المسئول الجديد وهو ينفث دخان سيجاره الكوبي الضخم : أريد كرسيا فخما يليق بى ، كرسيا  لم يجلس عليه أحد من قبل ، ولا يأتي بمثله أحد من  بعدى فلا أقبل كرسي السابق  .

 عندما سمعت منه هذا وهو يعطى توجيهاته لعبيده ، انتابني الغضب ، وقررت أن أسقطه من فوق الكرسي قبل أن يأتي بكرسي جديد ، بعد هذا العمر الطويل ، كان شعوري أنني كرسي مسئول فكيف يعزلونني ! .

الكاتب المصري (*)



الأستاذ : ناجي عبد السلام السنباطي
nagy_elsonbaty@hotmail.com
الهاتف الجوال : 0020573880611 : Mobile

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواليد مدينة : السرو - في 23 نوفمبر 1948 - محافظة دمياط – مصر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)-  بكالوريوس التجارة - شعبة : المحاسبة - دور مايو 1971 بتقدير جيد - جامعة الإسكندرية .
(2)-  دبلوم الدراسات العليا – شعبة : صحافة – دور مايو 1985 بتقدير حيد جدًا مع مرتبة الشرف
        الأولي علي  دفعته – جامعة القاهرة .

المزيد من أنشطة هذا الكاتب في الروابط التالية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://sonbaty1.blogspot.com
http://nagy_elsonbaty.maktoobblog.com

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس محتويات العدد الخامس والثلاثون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
ملاحق ثقافية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
   ذاكرة بنغازي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
مدرسة كراسي للفنون الرقمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
 قاعة كبار الضيوف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 التعريف بالمجلة وشروط النشر علي صفحاتها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 أرشيف المجلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
سجل الزوار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
للاتصال بنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 الصفحة الرئيسية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

عش الحمامة - الموقع الشخصي للفنان الليبي : فتحي العريبي
 
عش الحمامة

جميع الحقوق محفوظة لـ  مجلة كراسي www.kraassi.com ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور وموسيقي هذه المجلة والمنشورات الصادرة عنها إلا بإذن كتابي ، فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية .

كراسي : أول مجلة لها سبق الريادة باللغة العربية وفي جميع لغات العالم
المتخصصة في أدبيات وفنون الكرسي والكراسي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
كرسي قديم جاه جديد محاه نين تأثيره أغبي
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
اللي ما تردي مات أصحاب الكراسي راحوا  كلهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



 
^ ^ الانتقال إلي أعلي الصفحة ^ ^