|
|
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
افتتاحية
عندما كتب لي صديقي العزيز " فتحي العريبي " عن اعتزامه اطلاق مجلة للـ" كراسي " أشفقت على حاله، لمعرفتي بأنه قد وضع نفسه في دوامة من القلق والمعاناة لن تنتهي. مجلة خاصة بالكراسي كم من مجلة متخصصة بدأت وأمام ناشريها آلاف المحاور وتلال من المواد المتنوعة، ومن حيث بدأت انتهت! فما بالكم بمجلة لا تكتب ولا تتحدث ولا تتعاطى سوى مع " الكراسي ". مجلة مساحتها اللغوية والبصرية تعتمد فقط على " مفردة " واحدة فقط ! مفردة كل ما تحمله من صفة هي أربعة أرجل ، ومقعد، ومسند للظهر، وفي بعض الأحيان يستغنى عن هذا المسند، وفي مجالات أخرى يستغني عن المقعد ويستبدل بـ " خازوق ". وكتبت له بما معناه " إن الخطوة التي يريد أن يقدم عليها هي خطوة في " فراغ ". لكن رده حمل لي عزما وتصميما لإنجاز مشروعه المبتكر .. ولا بد من إطلاق مجلة " كراسي " وبالفعل ظهرت " كراسي " بنسختها التجريبية على الشبكة الألكترونية، وأيقنت بأن " كراسي " ستكون عمل إبداعي عربي مميز. لم يخطر ببالي بأن " العريبي " " يكمن " لي، ويريد مني أن أكون أول المتورطين في " كراسي " بكتابة افتتاحية العدد الأول. تعودت أن أكتب في الفن، أو حول الفن .. ولكن عن الكراسي !! ماذا أكتب؟. وكالعادة عندما أعتزم الكتابة، يجد ذهني في البحث عن أفكار حول الكراسي، وأنا المشغول في إنجاز كتابي الجديد " ملامس وسطوح " وهي ورقات عن رؤيتي في أعمال " 7 " نحاتين كويتيين. لم يبتعد فكري كثيرا، فسرعان ما احتوى معضلة " الكراسي " واكتشفت باني فعلا – وقبل أن يطلب مني العزيز " فتحي العريبي " كتابة افتتاحية العدد الأول لـ" كراسي " – كتبت عن الكرسي في ورقة من ورقات " ملامس وسطوح ".. وهي ورقة النحات الكويتي " خزعل القفاص " وتناولت فيها منحوتته المميزة " العصاري ". وهكذا كان أثر " العصاري " على فكري وعاطفتي:
( عندما نجلس على مقعد تفوح من شقوق خشبه رائحة القدم، ويشاركك هذه الجلسة ثلاثة خرجوا للتو من ذاكرة " خزعل " خصيصا لمشاركتك هذه اللحظات، فتذوب في جو " العصاري " وتتحول برودة " البرونز " إلى دفء يسري داخل كيانك، تصبح واحدا من قاطني ذاكرة المكان، ويجالس أهله على نفس الكرسي الخشبي القديم، أمام نفس البيت، وفي نفس الفريج، وذات الزمان، والشمس ترحل نحو مغربها، والوقت كان " العصاري "، حتى أن احدهم كان ساهما، وشارد الذهن، يجلس على يسارك، بينما انشغل جاراك على يمينك في اندماج كامل، وحديث هامس، ولم تكن تسمع منهم سوى طقطقة سبحة احدهم. " العصاري " عمل تخطى ذاكرة المكان إلى الحاضر، وشغل رؤيتنا البصرية بتكوينه المحكم، وانسيابية خطوطه الخارجية التي شكلت كتلة متناغمة " الأجزاء " و " المراحل " الحركية، وكأنها سلم موسيقي، تقرأه عيناك فتسمع أذنيك لحنا.
أما الكرسي الثاني الذي طبعت صورته في مخيلتي فهي " دكة " الفنان الكويتي " محمود الرضوان " التي سجلها في إحدى لوحاته الزيتية، عندما رسم مدخل المرسم الحر .. والمرسم الحر معروف عنه علاقته التاريخية بالحركة التشكيلية الكويتية التي بدأت انطلاقتها الأولى منه.. وما زال هذا المبنى التاريخي قائم وفي أحسن حالاته، وما زالت " دكته " موجودة. والدكة هي في واقع الأمر " كرسي " طويل يتسع لعدد من الأشخاص، وهو غالبا ما يبنى من نفس مواد بناء المنزل. في " فدركرز " البحر، مكاني الأثير للكتابة، تواردت على ذهني صور عشرات الكراسي، بدء من كرسي الدراسة "ا لمقيت "، الذي كنت أجلس عليه وأنا طفل في المرحلة الابتدائية، حتى كرسي الحلاق الذي لم تعد لي رغبة في الجلوس عليه، وكرسي طبيب الأسنان، وكرسي طاولة الطعام الذي أصبح جلوسي عليه يوميا طقس روتيني لا فكاك منه، وغير ذلك من أنواع واشكال الكراسي التي لا تعد ولا تحصى، وآخرها صورة الكرسي التي أرسلها لي " فتحي " وهي لحلاق شامي، يجلس أمامه رجل على كرسي بدائي ممسكا بطاسة بين يديه بدلا من فوطة الحلاق الحديثة.
|
|
|
|
ولأول وهلة وانا أشاهد هذه الصورة التاريخية شعرت بالضيق وسبح فكري في صورة هذا الرجل المسكين الذي يجلس بين يدي الحلاق ممسكا بطاسته بين يديه وكأنه " خروف " ينتظر الذبح، ويحرص ألا تقع نقطة واحدة من دمه على أرضية محل الحلاق.
حميد
إسماعيل
خزعل
|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
|