|
|
|
جميلة -
إحدى أبرز الوجوه النسائية في الثورة الجزائرية ، تلك الثورة التي قدمت لثراء
أفريقيا مليون شهيد . ففي الثامنة عشرة من عمرها وقد عادت جميلة لتوها من
المدرسة وكانت قد قرأت في كتاب التاريخ عبارة غامضة تقول بالحرف الواحد : |
أسلافنا هم الغال ..أي شعب
الغال الذي ينتمي إليه الفرنسيون . |
في البيت عادت وقرأت هذه الفقرة بصوت خافت ثم رددت هذه المعلومة المغلوطة ثانية علي مسمع من أمها فانتفضت الأم غاضبة واعتبرت هذا الكلام مجرد افتراء استعماري وأوضحت لابنتها جميلة أن الجزائر وطنها والعروبة هويتها والإسلام دينها وأفريقيا جنتها المغتصبة التي يجب أن تعود كاملة لأصحابها الأفريقيين . ومن دون الخوض في التفاصيل وجدت جميلة نفسها ثائرة ابنة ثائرة وقررت الالتحاق بصفوف الثورة وطلائعها الشعبية المكافحة وسهلت لها هذه الرغبة صديقة في مثل عمرها تدعي زينب ياسين وبسرعة مذهلة تطورت علاقة جميلة بوحيرد بالثورة ونالت ثقة مجموعتها النضالية للقيام بتنفيذ بعض العمليات المحدودة ضد الفرنسيين مثل رمي القنابل اليدوية والحارقة علي دورياتهم العابرة أو في أماكن تواجدهم علي مقاهي الأرصفة والمراقص والمواخير الليلية . أما كيف
استقبلت هذه المناضلة فيما بعد حكم الإعدام الذي أصدره عليها الفرنسيون فذلك
يستدعي منا الرجوع إلى صفحة ولو يسيرة من مذكراتها ومنها نقتطف ما يلي : |
كان ذلك
اليوم من أجمل أيام حياتي لأنني شعرت أني سأموت من أجل استقلال بلادي الجزائر
. |
وتتذكر جميلة ضمن ما تتذكر بعد عودتها من المحكمة إلى السجن أن رفاقها السجناء من المناضلين قد استقبلوها بأغنية ( الله أكبر تضحيتنا للوطن ) . وكانت لحظة مؤثرة لا تقوي علي وصفها الكلمات وهي حين تتذكر تلك الأيام تؤكد أن فترة السجن من الفترات الرائعة التي لا تنسي رغم قسوتها ووحشيتها كانـت بالنسبة لها من الأيام الخالدة التي لا تمحي من الذاكرة أبدا . ولما
كانت أمها تزورها في السجن تقول لها جميلة : ( لعلك يا أماه لن تجدينني هنا
في المرة القادمة ) فتضمها السيدة الجزائرية العجوز إلى صدرها بكل ما في
حوزتها من خوف وحنان وتقول لابنتها والدموع تنهمر من عينيها : |
ما أسعدك يا جميلة أن تموتي شهيدة وما أسعدني أنا الأخرى أن يشار إلى بالبنان .. تلك أم الشهيدة . |
وأمام
هذا الموقف غير المسبوق دمعت عينا الحارسة الفرنسية الشابة الواقفة علي مقربة
من جميلة وأمها وصرحت قائلة : |
إن أمك يا جميلة قديسة جليلة لا مثيل لها علي كثرة
ما قرأت أو سمعت عن قديسات في أساطيرنا والقصص الدينية .
|
وفي الأيام الأولى لاستقلال الجزائر نُقلت جميلة إلى باريس وبعد فترة من الاعتقال السياسي هناك وتحت ضغط منظمات إنسانية كثيرة تم الإفراج عنها فخرجت وحيدة من المعتقل إلى شوارع باريس سيرا علي الأقدام تجوب تلك الشوارع الواسعة والحدائق الشاسعة طوال ثمان وأربعين ساعة وظلت تسير وتسير علي غير هدي دون توقف وهي تردد في مونولوج داخلي عميق - ما أجمل الحرية . وشيئا
فشيئا زحفت علي الذاكرة العربية كعادتها حالة من النسيان حالة تعرف في
المأثور الشعبي الليبي : ( الناس تنسي خيارها )
غير أن جميلة بوحيرد بقيت مع فئة قليلة من أبناء وبنات هذا الوطن وفية لذكري
الزعيم العربي الأفريقي الخالد جمال عبد الناصر حيث قالت عنه في مذاكرتها
بشأن المساندة العربية للثورة الجزائرية : |
لقد كان جمال عبد الناصر رجلا عظيما ورائعا وقد أعطي للجزائر من روحه ومواقفه النبيلة أكثر مما أعطي غيره من زعماء بلاد العرب في ذلك الحين .
المزيد |
|
الكتاب مجاز من قبل إدارة المطبوعات في بنغازي
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور وموسيقي هذا الكتاب إلا بموافقة كتابية خاصة ، فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية .
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |