|
|
|
لما كانت - مي زيادة - تلميذة صغيرة في مدرسة عين طوره في لبنان كانت تُكلف مع رفيقاتها التلميذات بإلقاء خطب تنشئها لهن وكُن أحيانا يمثلن بعض الحكايات البسيطة وهذا بالضبط ما كان يُحفزها إلى التأليف والخطابة حتى اشتهرت في المدرسة بجودة الإلقاء سواء بالعربية أو الفرنسية . وعندما جاءت إلى مصر مع أسرتها تسلم والدها تحرير مطبوعة المحروسة الأمر الذي أتاح لها أن تنشر من خلالها عِدة مقالات أدبية ومنذ ذلك الحين شرعت - مي زيادة - في دراسة أدواتها اللغوية بعمق . في عام 1913 وبمناسبة تكريم الشاعر خليل مطران وقع عليها الاختيار لإلقاء الخطاب الذي أرسله الشاعر المحتفى به فرأت نفسها وسط جموع حافلة من الأدباء فتشجعت بل تمادت في حضورها وأعقبت ذلك بخطبة من تأليفها وأستقبل ذلك بهتاف واستحسان الحاضرين دفعها للزهو بنفسها وقرّب حلمها بأن تكون أديبة لها شأنها فيما أخذت على نفسها بالدرس والاجتهاد . وحين سئلت هذه المبدعة العربية النادرة عام 1928 إن كان
للتربية أثر في تغلب العقلية العالمية على أدبها أجابت قائلة : |
لعل
معرفتي لتسع لغات قد زادت في حدود وطنيتي وجعلتني أنظر إلى العالم كأنه وطني
الأكبر ، ولعل سياحتي في أوربا قد زادت في نفسي هذه العقلية . |
كانت – مي زيادة – دقيقة الملاحظة ، أنيسة المعشر رضية الخلق ، تحب اللهو والضحك والحركة ولكنها كانت غريبة الروح موحشة الفؤاد ، تميل إلي العزلة فتخلو بنفسها تتنهد وتشكو وتكتب وتحسد العصافير المرفرفة حولها تزقزق على هواها طليقة.وفى مذكراتها التي لا تخلو عن كونها تعبيرا عن سيناريو
قلب جريح ونفس قلقة محدودة تتوق إلى اللامحدود بل هي مرآة صافية تنعكس فيها
جلية عبر ظلال الكلمات خلجاتها الشاعرة المتمردة في مناخ من طراوة العفوية و
في هذه المذكرات كتبت تقول : |
وقد
نهضت في هذا الصباح فرحة بالصحة وبالشفاء ، فالتف حولي بعض رفيقاتي حتى
اللائى لسن لي بصويحبات .. فيا دفتري الصغير - إن للمريضة وللناقهة من المرض
امتيازا في أن يعطف البنات عليها حقيقة أو هن ينضممن إلى اللائى يعطفن عليها
ليجدن كلاما يقلنه أو يتلقين كلاما ينقلنه ، لقد التففن حولي يا دفتري الصغير
وقلن بصوت واحد أني لا تبدو علي دلائل المرض وقالت إحداهن كم أحب عقارب شعرها
وقالت أخرى كم أحب عينيها وقالت غيرها ما ألطفها اليوم . |
غير أن
المرض أشتد بالأديبة الكبيرة مي زيادة وأنفرد بها الموت في التاسع عشر من شهر
نوفمبر عام 1941 ، والمعلوم أنها من مواليد عام 1885
، وكانت بحق أعظم كاتبة عرفتها اللغة العربية وصاحبة أكبر ندوة أدبية
في صدر القرن العشرين في القاهرة غير أن هذه المبدعة النادرة قد ظلمها الذين
كانوا يتحمسون لأنوثتها ، المسرفون في الحديث عن حياتها الخاصة أكثر من
الحديث عن أدبها وفكرها . |
|
الكتاب مجاز من قبل إدارة المطبوعات في بنغازي
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور وموسيقي هذا الكتاب إلا بموافقة كتابية خاصة ، فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية .
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |