|
|
|
انطلقت فدوي طوقان بشعرها العذب في دائرة بعيدة الاتساع وفي حركة لا تتقيد بحدود ، وهذه الشاعرة العملاقة قد تطورت وعيا وشعرا ضمن حالة من الوضوح الصافي والناصع متناولة القضايا الكبرى بكل جرأة ونالت من أجل ذلك الجوائز الدولية الكثيرة كجائزة عرار التي حصلت عليها في عمان سنة 1983 وعرار هذا واحد من أبناء الأردن الذين عالجوا العديد من المواضيع الإنسانية شعرا وكان يتألم لما يعانيه البشر في حياتهم من قهر وعذاب وهو الذي عاش الزهد في شعره وحياته الاجتماعية . فدوي التي ولدت في جبل النار في مدينة نابلس لا تجيد
الكلام في الحوارات الصحفية أو الإذاعية ولكنها كانت تتقن الحزن والألم
. |
وتأخذ ديوان شعر لشاعرة غيبتها القبور ، وتقرأ فتشم عبيرك
بين السطور ، ستلقي شبابك في كل سطر طريا غرير .. وفي كل حرف تعود الحياة
لأشياء كنت بها تزدهي ، هنالك تعلم أن ربيعك باق بشعري فما ينتهي . |
هذه الشاعرة الكبيرة لم تدخل مدرسة لأسباب خاصة كثيرة ،
غير أن طموحها لم يجعلها تتخلف عن الركب ولم يقعدها عن السير فواصلت الدراسة
في المنزل وعلمت نفسها بنفسها ثم أخذت تطوف العالم وتقول ، تطوف الوطن وتتلمس
الحزن وتلمه في آخر الليل قصائد لتشارك العالم أحزان وجوده . |
آه وفي الأرض حكاية الخلجان والغرقي ، حكاية النهر الذي يمضي يمضي ولا يبقي ، واللوحة الكبرى تعيدنا لو أننا نبقي . |
وتعتبر فدوي طوقان التي أصدرت أكثر من سبعة دواوين خلال
العقود الستة الماضية من شعراء الصف الأول في الوطن العربي حيث يمتاز أسلوبها
بقوة التعبير والرمزية الشفافة التي تقترن بالبساطة منها : أعطنا حبا –
وجدتها – وحدي مع الأيام – أخي إبراهيم . |
وكنت مع الآخرين وحيدة بعيدة هناك ، بعيدا بتلك الأقاصي
البعيدة ، وزادي منك كتاب وصورة تنام بصدري ، وزادي منك زجاجة عطر يبث
بأعماقي ، عبيره ويبعث حولي هناك روائح دنيا هواك . |
فدوي طوقان التي عكفت منذ فترة علي كتابة سيرتها الذاتية قد بدأت كتابة الشعر في الأربعينيات مقتفية خطي أخيها الشاعر الكبير إبراهيم طوقان الذي خطفته يد المنون في ريعان الشباب. تقول فدوي في مقدمة ديوان شقيقها إبراهيم . وبين أبناء قومه تأثير كبير علي بنيته النحيلة فلم تكن تلك البنية لتحتمل كل هذه الآلام النفسية التي كابدها خلال شهور وهو الرقيق الشعور المرهف الإحساس إلى حد يكاد يكون مرضا فلم يمضي شهران علي إقامته في العراق كمدرس حتى وقع هناك فريسة العلة والسقم مما حمله إلى العودة إلى نابلس وفي مساء يوم الجمعة الثاني من شهر مايو سنة 1941 أسند إبراهيم رأسه إلى صدر أمي وقد نزف دمه وخارت قواه وهناك أسلم روحه الطاهرة إلى بارئه واستراح . ارتبطت فدوي طوقان بصداقة حميمة مع شاعر مصر الكبير علي
محمود طه في بداية حياتها الشعرية من خلال الرسائل التي انقطعت من جانبها بعد
وفاة شقيقها إبراهيم وقيام أبناء عمها المحافظين بمنعها من الكتابة إليه .
|
تشك بحبي لأني حجبت رسائل قلبي ، كأنك تجهل أسباب صمتي ، تغار ! أحب أحب تغار ولكن لماذا تغار ، وأنت الحياة وتعرف أنك الحياة ، وأنك لي منتهى مأملي وأن أسمك الحلو مأملي ، يرف صداه علي شفتي تمتمات ، عبادة وهمس صلاة ، وفيض سعادة يفيض علي حاضري ، ويغمر مستقبلي . |
أجادت فدوي طوقان كتابة الشعر العمودي قبل أن يضيق عليها قالبه وانتقلت إلى الشعر الحر مع انتشاره في الخمسينات مع أن فدوي كثيرا ما تلجأ إلى الشعر العمودي إلا أن معظم آثارها الشعرية تتبع الأسلوب الجديد . الشعر الحر برأي فدوي طوقان ليس سهلا كما يظن الكثيرون وهي تعتقد أن إجادة الشعر العمودي ضرورية للنجاح بالشعر الحر . أما قصيدتها الأولى فقد نشرت بمجلة ( الرسالة ) وكانت فدوي في غاية الفرح والسعادة لان اسمها المغمور وغير المعروف في الأوساط الأدبية القاهرية قد ظهر جنبا إلى جنب مع اسم توفيق الحكيم وطه حسين ، لان أحمد حسن الزيات صاحب هذه المجلة كان مهتما بالأصوات الجديدة الواعدة ولا يتردد لفسح المجال أمامها . |
هم يحسبون لقاءنا محض صدفة ، هل كان صدفة ؟ من قال ؟ من
أين همو يعلمون ؟ أنت الذي يعلم وأحمر الشفاه ، والعطر والمرآة وزينتي هي
التي تعلم لا همو. |
|
الكتاب مجاز من قبل إدارة المطبوعات في بنغازي
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور وموسيقي هذا الكتاب إلا بموافقة كتابية خاصة ، فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية .
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |