اخترت الشهادة لأنني أقوم بواجبي تجاه شعبي وأرجو أن تعانق روحي أرواح أولئك الشهداء الذين سبقوني وان يتكون من روحي وأرواحهم مزيج متفجر ينهض زلزالا علي رؤوس الأعداء . ( سناء محيدلي ) |
ولدت سناء يوسف محيدلي في الرابع عشر من شهر أغسطس سنة 1968 في قرية عنقوان قضاء صيدا وانتسبت للحركة الوطنية عام 1984 وكانت هذه القرية واحدة من القرى التي داهمتها القوات الإسرائيلية في حملة واسعة النطاق نفذتها يوم 21 .3 .1984 وقتل فيها العشرات وأسر المئات وهدمت الكثير من البيوت الآمنة . تقول إحدى صديقاتها المقربات أنها لم تفاجأ بما أقدمت عليه سناء فقد كانت المقاومة الوطنية شغلها اليومي وكانت تتحدث عن كل عملية تقوم بها هذه المقاومة وكأنها هي التي نفذتها ولم تكن سناء بالفتاة العادية بل كان يؤرقها سؤال دائم عن دور المرأة اللبنانية في مواجهة الاحتلال . أما صاحب البقالة الصغيرة المجاورة لبيت سناء فقال عندما سمع بأنباء استشهادها : |
قبل يوم واحد من خروجها من المنزل جاءتني لشراء بعض الأغراض البسيطة مثل لفة سلك وشرائط لاصقة وما شابه ذلك . كانت علي غير العادة مشرقة كعروس في ليلة زفافها ومبتهجة وسعيدة وحين سألتها عن سر هذه الحيوية وهذا الإشراق قالت لي وهي تبتسم غدا ستعرف يا عم أبو وليد سر سعادتي وحبوري . |
الشاعر
غسان مطر جاء من بيروت علي جناح السرعة معزيا ومهنئا وقال أمام الحشود
الكثيرة التي يعرفها والتي تنام وتستيقظ علي شفاه قصائده : |
أضيئوا
عواصفكم فالدروب إلى سرها وطن والهوى خاتم الكبرياء ولا ترسموا وجهها
فالخرائط أجملها ما نسيجه بالدماء. |
وفي
الشريط ( المتلفز )الذي تركته لنا ظهرت فيه وهي تتحدث بثقة ، عيناها تشعان
ببريق غريب ولم نلحظ عليها التأثر إلا عندما خاطبت والدتها لتعتذر منها لأنها
( أي سناء ) لم تخبرها بما قررت الأقدام عليه حين خرجت من المنزل تمشي مرفوعة
القامة ، وعندما اقتربت منها آلة التصوير أشرق وجهها بابتسامة مضيئة وخاطبت
والدها بحياء : |
الآن
جاء دورك يا أبي كي تزفني وترقص . |
وعلي أثر ذلك تعالت صيحات التكبير الله أكبر - الجهاد – الجهاد - وامتزجت الزغاريد بالدموع ، دموع الفراق والفرح فيما أخذ البيت يغص بالمهنئين قبل المعزين من كل حدب وصوب وتوالت باقات الزهور ، هذه باقة ياسمين من حمامتنا المائية فيروز تجاورها باقة من زياد رحباني ومن نضال الأشقر ومن كل المحبين وعشاق الفداء والحرية إلى أن ضاق البيت المقدس بأنفاس العطر والرياحين .وكان عرسا كاملا لم يغب عنه سوي العريس ( الجنوب ) الذي يستكمل زينته بمعركة التحرير بينما العروس يتناثر جسدها الطاهر فوق مساحة كبيرة من معبر باتر – جزين المؤدي إليه إلى حبيبها الجنوب .الشاعر أسعد الجبوري يعتلي ربوة مجاورة ويصدح بقصيدة
اسمها البتول يقول في مطلعها : |
ماذا
ينقص السرو أن يطير والشمس صهوة وحصة الدرس أن يتعلم الهواء المشي في الرنة ،
كرسي الأستاذة شاغرة والتلامذة يتضاربون بالثمار بين المنازل الهابطة في
العيون ، قامة قادت قافلة بين أرتال من ذئاب ، قامة طولها الفضاء مسخت كتاب
الصمت والعبادات والأنظمة . |
وفيما
كان اللبنانيون الأشاوس كعادتهم يزفون عرسهم في مناسبات الزواج جلجل من جديد
صوت الشاعر أسعد جبور يقول : |
المسافة
تقرأ المساحة وهذه الينابيع لا ركب لها لتنحني الليلة ، من يستقبل الأنبياء
في الجنوب الليلة من يخترع المفردات للقواميس التي بداخلها يتم الزفاف ،
طبقات سبع وقبور طائرة يمدها الله بسماواته وشريط أزرق بشعر زوبعة . |
فيلتقط
منه غسان مطر مشعل القصيدة وينظر حوله هنا وهناك ويرفع صوته الجهوري علي كل
الأصوات هكذا : |
لأن
النبوءات ومض ..أضيئوا عواصفكم وأقرأوا فوق فستانها سورة النار وأمضوا
. |
ولأننا
لسنا من كتاب المناسبات العابرة تعمدنا الحديث عن عروسنا ، عروس الجنوب سناء
محيدلي قبل ذكري استشهادها بأسبوع كامل تلك الشهيدة التي أعادت للامة بعض ماء
الوجه المهدر لترسم تفاصيل عرسها وتنفجر وتكون الشهادة في زمن انقرضت من
يومياته الشهادات الحقيقية وحدها سناء تطوعت بالمهمة الصعبة والمعجزة
وتناثرت وتلاشت ظهيرة يوم 9 .4 . 1985 - كي يجمع
الوطن قليل من شتاته المبعثر علي موائد الاستسلام والخنوع لدسائس الشيطان
الأكبر علي هذه الأرض المغلوبة علي حالها . |
|
الكتاب مجاز من قبل إدارة المطبوعات في بنغازي
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور وموسيقي هذا الكتاب إلا بموافقة كتابية خاصة ، فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية .
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |