كتاب : دولة النساء ( تأليف – تصميم – وتنفيذ الفنان الليبي : فتحي العريبي ) منشورات مجلة كراسي www.kraassi.com



كتاب
دولة النساء
مبدعات عربيات 
متلبسات بألوان قوس قزح
وأبجدية حروف الضاد
 

 

ااا  سعاد الصباح   ااا
( المتعبة من قصص العشق وأخبار الغرام )
 


 

أنا متعبة من قصص العشق ومن أخبار الغرام ، وأنا متعبة من ذلك العصر الذي يعتبر المرأة تمثال رخام ، فتكلم حين تلقاني لماذا الرجل الشرقي ينسي حين يلقي امرأة نصف الكلام ، ولماذا لا يري فيها سوي قطعة حلوي وزغاليل حمام ، ولماذا يقطف التفاح من أشجارها ثم .. ينام .
 

في الوسط العائلي ينادونها .. يا شيخة ، والدبلوماسيون يعتبرونها أميرة خليجية من عائلة الصباح والأكاديميات العلمية كرستها – دكتورة – في التنمية والتخطيط غير أن أحب الألقاب إليها  الشاعرة سعاد الصباح لأنه اللقب أو الموهبة التي زرعتها في قلوب الناس فأحست أنها معهم وهم معها يجلسون علي بساط واحد يتناغمون ويأكلون معا خبز الفرح والدمعة .
 

كان بوسعي مثل جميع نساء الأرض مغازلة المرآة ، قد كان بوسعي أن أحتسي القهوة في دفء فراشي وأمارس ثرثرتي في الهاتف دون شعور بالأيام وبالساعات .
 

وسعاد الصباح من دون سائر الألقاب والصفات البراقة وربطها بالشـهادات العليا لتبرير موهبتها و تفردها هي مواطنة عربية اختارت ضمن ما اختارت السفر في بحار الغربة واختارت كذلك الدفاع عن المرأة العربية لاعتقادها الراسخ أن المرأة لها دور أساسي في خلق المجتمع وهي عماد الأسرة كما هو الرجل ، وحين  سعاد تدافع عن المرأة هي من جهة أخري تدافع بشكل خفي عن الرجل لان كيان المجتمع عندها لا يرقي إلا بجناحين هما الرجل والمرأة معا .
 

مشكلتك الكبرى أنك رغم كلامك عن الحداثة لست حديثا ورغم كلامك عن المعاصرة لست عصريا ورغم كثرة أسفارك فإنك لم تبارح خيمتك .
 

في طفولتها ، في حوالي الثالثة عشرة من عمرها درست الصغيرة سعاد الهندسة أثناء سنوات الدراسة المتوسطة رغم نفورها من الحصص الهندسية وظلت على مقعد الدرس قلقة ومستاة من جفاف الدروس العلمية إلى أن هبت عليها نسمة شاردة في أثناء وحدتها بفناء المدرسة ، إذ ذاك داعبت شعرها الناعم ولامست أذنيها في حنان وباحت لها بكلمة الشعر السحرية فانفجر في نفسها ينبوع دافق سري في قنوات روحها حروفا وكلمات وصيغا لا تتعاطاها مادة الهندسة فأضطرب قلبها الصغير فيما أشتد نبضه .

هوّن علي مشاعرها الساخنة في المساء بردا وسلاما مطر مفاجئ داهم أفكارها وانتزع من أجفانها عن طيب خاطر لذة النوم ومع انبلاج الفجر كانت سعاد مبللة تماما بالشعر وبموسيقي القوافي .

فأسرعت تلملم الكلمات الوافدة ، كلمة من هنا وأخري من تحت وسادتها . وحرصا منها علي أسماكها و فراشاتها المرحة أودعتها في الحال كراسة صغيرة وردية اللون وظلت تعتني بها وترعاها وتطعمها لوزا وخوخا طوال الليل وقبل أن تفيق العصافير علي الأشجار المحيطة ببيتها ذهبت إلى المدرسة مبكرة وعرضت قطافها في سرية تامة علي رفيقاتها فباركت معلماتها وصديقاتها ما احتوت الكراسة الوردية ثم كان الشعر .
 

لا تقرأني من اليمين إلي اليسار علي الطريقة العربية ولا من اليسار إلي اليمين علي الطريقة اللاتينية ولا من فوق ، إلى تحت علي الطريقة الصينية ، إقراني ببساطة كما تقرأ الشمس أوراق العشب وكما يقرأ العصفور كتاب الوردة .
 

ولأنها من طينة - مي زيادة ونازك الملائكة وفدوي طوقان وكولييت خوري وغادة السمان وفتحيه العسال وليلي العثمان ونادية تويني وسنية الصالح وسواهن من الحمائم العربيات الباهرات من مبدعات هذه الأمة انغمست سعاد في القراءات التراثية العميقة باعتبارها حجر الأساس والسند الحقيقي لكل كاتب ومفكر و لأننا ما نزال في السنوات الأولي لصبا شاعرتـنا الفتية سعاد الصباح نجد في تاريخها المبكر أنها سعت لإصدار ديوانها الأول عامي 1963-1964 وأسمته ( من عمري ) وهو لا يعدو برأيها الآن انطباعات صبية مراهقة ومعتمدة علي الملاحظة التي مفادها أن المطر عندما يسقط علي الصحراء فانه يخرج العشب دون أن يسأل من أين خرج ، وهكذا تشكلت بداياتها الشعرية الأولى .

وعلي عادة الكاتبات الموعودات بالخلق والإبداع شرعت سعاد تقوي من شأن حالها الأدبي واللغوي وأخذت تتجول كثيرا في مدارس الشعر بدءا من العصر الجاهلي مرورا بمدرسة المهجر الحديثة ومدرسة جماعة أبولو ومدرسة السياب ومدرسة صلاح عبد الصبور إلى أن أصبحت أستاذة متميزة يشار إليها بالبنان في مدرسة الشاعر الخالد ( نزار قباني ) ، وقد أثمر هذا التجوال في عام 1971 ديوانها : ( أمينة ) الذي تعتبره الأمل والفرح ثم أعقبته بديوان ( إليك يا ولدي ) الذي خصصته لرثاء أبنها البكر ( مبارك ) الذي مات علي يديها ما بين السماء والأرض وكان نحيبها المفجع لحظتها أعلي من هدير الطائرة .
 

ليس الديمقراطية أن يقول الرجل رأيه في السياسة دون أن يعترضه أحد . الديمقراطية : أن تقول المرأة رأيها في الحب دون أن يقتلها أحد .
 

وفي مرحلتها الشعرية الثالثة وهي مرحلة النضوج وقد امتلكت فيها سعاد كامل أدواتها الأدبية والفكرية تلك الأدوات الضرورية التي جعلتها تدرك مقدار أبعاد صوتها وتسعي في ذات الوقت لتجريب كيمياء القصيدة الحديثة وقصيدة النثر وأثمرت نتائج معملها الشعري ديوان ( فتافيت امرأة ) وهي المجموعة الشعرية التي تعترف بأنها تشبهها والتي من خلالها استطاعت سماع صوتها ورأت صورتها في مرآة كلماتها ومن خلالها أيضا تمكنت من الوقوف علي أرض الواقع مما أتاح لها الولوج في حرب تحرير المرأة حرب التحدي والتصادم والمجابهة في وجه كل البشاعات المتراكمة في المجتمع العربي كما شعرت من خلال هذه المجموعة بمدي انغماسها في نسيج الكلمات ، وان الكلمات ليست سوي المعبر عما بداخلها من قضايا سياسية وهموم اجتماعية وفي هذه المرحلة صدرت لها المجموعة الشعرية ( في البدء كانت الأنثى ) بمثابة تجربة جديدة لقصائد قصيرة ومكثفة تشبه في إيقاعها حركة وموسيقي هذا العصر .
 

إذا قررت يوما أن تكرهني فاستعمل مسدسا كاتما للألم .
 

سعاد الصباح الشاعرة امرأة عربية غير معقدة من الرجل حتى لا يظن خطأ أن دفاعها عن بنات جنسها ومطالبتها الرجل التنازل عن امتيازاته التاريخية علي أن هناك ثارا بينها وبينه فالحقيقة الساطعة أن هذه السيدة الشاعرة قد تربت في عائلة متوازنة وكان والدها صديقا وأستاذا لها وهو الذي علمها وكان يدلها علي الكتب القيمة والاسطوانات الموسيقية الرفيعة ويوفر لها فضاءات رحبة للقراءة والتأمل والاستماع في زمن كانت فيه المرأة في الخليج وفي كل أنحاء الوطن العربي لا تستطيع أن ترفع صوتها أو أن تعبر عن رأيها .
 

وجهك جواز سفر أجوب به العالم وأدخل به جميع الموانئ والمطارات وعندما يراك رجال الأمن مخبوءا في عيني يفتحون صالة الشرف لي ويقدمون المرطبات والأزهار ويعطونني أفضلية المرور لأنني عاشقة .
 

ولأنها كانت كذلك وكانت أيضا في طليعة المتمردات من بنات هذه الأمة فقد فجرت سعاد قوقعة التاريخ النسائي وخرجت إلى القرن الواحد والعشرين لتحطم القفل الموضوع علي فم المرأة و تكسر الأغلال عن فكرها وفكر الأنثى العربية ، من هنا لم يكن مستبعدا أن تواجه بهجوم كبير وبسكاكين كثيرة امتدت إلى ظهرها تحاول اغتيالها واغتيال كلماتها ، غير أن الكلمة برأي – سعاد – لا تذبح وإنما تمر كالريح من بين ثقوب الأبواب والمفاتيح وتبقي هي الوحيدة التي لا تحتاج إلى جواز سفر أو بطاقة عبور ولا تقف في الطابور لتحصل علي تأشيرة دخول .


 

أنت أول مثقف عرفته
 لا يعتبر الجنس مطلبا قوميا
و لا يتخذ من السرير
منبرا للخطاب

ااا  سعاد الصباح  ااا
 


 

الكتاب مجاز من قبل إدارة المطبوعات في بنغازي
بموجب الرسالة رقم م ط / 896 / 71 / 2003
المؤرخة في 16 / 1 / 2003



ومسجل تحت رقم 5379/ 2003 بدار الكتب الوطنية - بنغازي
المركز البيليوغرافى الوطني
وحدة الإيداع القانوني

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بنقل أي جزء من نصوص وصور وموسيقي هذا الكتاب إلا بموافقة كتابية خاصة ، فيما عدا حالات الاقتباس القصيرة بغرض النقد أو التحليل وفقا للقواعد التي تفرضها الأصول العلمية .


 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   فهرس محتويات كتاب : دولة النساء
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
هذه الدولة
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
التعريف بالمؤلف - CV
  
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
الصفحة الرئيسية للكتاب
  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة كراسي - Home
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
^ ^ الانتقال إلي أعلي الصفحة ^ ^