هو أول ظهور لفيروز في بعلبك عام 1957.
عدا عن البرنامج الموجود أمامكم والذي أخذ من كتاب هنري زغيب "طريق النحل",
والقصة التي رواها منصور, والتي سنأتي لاحقاً على ذكرها بالتفصيل, لا نملك
أية معلومات إضافية عن هذا العرض الموسيقي, حيث لم يتم تسجيله, وطبعاً هو غير
متوفر في الأسواق.
القصة كما رواها منصور في مقابلة مع هنري
زغيب: "دعينا للاجتماع بلجنة مهرجانات بعلبك في ربيع 1957. وكانت تلك
المهرجانات حينئذٍ مقتصرة على عروض أجنبية (مسرح وباليه وأوبرا) تقدمها فرق
عالمية. في تلك السنة قررت السيدة زلفا شمعون أن تُدخل إلى المهرجانات ليالي
لبنانية. اجتمعنا في مكتب حبيب أبو شهلا بسيدات اللجنة, وكنّ غير واضحات
التصور لما يرغبن في تقديمه, بل غير متحمسات لفكرة الليالي اللبنانية,
موقناتٍ بأنها ستكون أضعف شأناً من الليالي الأجنبية ذات الفرق العالمية. غير
أنهن رضخن لفكرة السيدة الأولى, وحضرن الاجتماع.
بدأن بتحذيرنا من التطويل التطريبي العربي الذي "ينفر منه جمهورنا بعدما
اعتاد الأعمال الأجنبية في بعلبك". طمأناهن إلى أن التطويل ليس من مبادئنا
الفنية, وسألناهن أن ينتظرن مخططنا لتلك "الليالي" وألاّ يحكمن سلفاً عليها
بنظرة فوقية مترفعة. سألننا: "من سيغني في حفلتكم؟" فقلنا لهن: "فيروز".
فصرخن استهجاناً: "أبداً . لا . ستغني وتطيل وتنوح وتروح تمزق المنديل في
يدها". ففهمنا أنهن لا يعرفن فيروز ولا ما تغنيه فيروز.
ثم فرضن علينا ترتيباً أحضرنه سلفاً: عاصي ومنصور الرحباني للكتابة والتلحين,
توفيق الباشا لقيادة الأوركسترا, محيي الدين سلام ومحمد شامل للإخراج
والإشراف الفني. فاعتذرنا عن القبول بهذا التقسيم, وقلنا لهن إن هذا الأمر
يعنينا نحن ويتخطى إطارهن, وإن التنظيم نضعه نحن ونعرضه عليهن. وطلبنا مهلة
لوضع الخطوط العريضة للسيناريو ثم نجتمع ثانية.
وافقن على مضض, وانتهى الاجتماع بنظرة متعالية منهن ترى أنها هي على صواب وكل
ما عداها على خطأ.
أخذنا بضعة أيام, ووضعنا برنامجاً منوعاً بعنوان "أيام الحصاد" يصل بعضه ببعض
خيط جامع. عدنا إلى الاجتماع بالسيدات, وفرض عاصي عليهن التنظيم التالي:
فيروز للغناء, صبري الشريف للإخراج. وقبل أن يهلعن من كثرة المصاريف أردف
عاصي:" توقع فيروز عقداً بليرة لبنانية واحدة, وصبري الشريف عقداً بالمبلغ
نفسه".
ثم أردف: "محمد شامل ومحيي الدين سلام مسؤولان إداريان. توفيق الباشا قائد
الأوركسترا. نزار ميقاتي معاون صبري الشريف في الإخراج. زكي ناصيف للمشاركة
في التأليف والتلحين. مروان ووديعة جرار للرقص".
انتهى ذاك الاجتماع الثاني على أن يتم الاتصال بنا لاحقاً, وبالفعل, بعد أيام
استدعينا إلى القصر الجمهوري في القنطاري, واجتمعنا برئيس الجمهورية كميل
شمعون الذي بادرنا بقوله: "وافقنا على حفلتكم. نفذوها. ونحن نُنَيشِنُكم أو
نُنَيشنُكم" (الأولى: أي نعلق لكم نيشاناً, أي وساماً, والأخيرة: أي نقضي
عليكم).
في ليلة الافتتاح, لم تكن واحدة من سيدات اللجنة تعرف ماذا سيدور في الحفلة.
وكانت هذه منوعات شارك بها زكي ناصيف بمقطوعات (منها "طلوا حبابنا طلوا" و
"صبحنا بفجر العيد"), وقاد أوركستراها توفيق الباشا. وفي مستهل اللوحة الأولى
عمد المخرج صبري الشريف إلى وضع فيروز على قاعدة عمود, وسلّط عليها الأضواء
من أسفل العمود ومن زوايا مختلفة. فظهرت للجمهور كأنها طائرة في الهواء, فيما
تغني "لبنان يا أخضر حلو ع تلال". كان المشهد الأول صاعقاً على الجمهور الذي
اشتعل له تصفيقاً في موجة كانت بين التأثر والبكاء والغبطة.
قدمنا الحفلة كما المقرر لليلتين فقط ( كل ليلة نحو خمسة آلاف مشاهد ).
في اليوم التالي, صدرت الصحافة بتعليقات مشرفة, وركزت على ضرورة تكرار هذه
الليالي اللبنانية في مهرجانات بعلبك.