هذه الأديبة المرئية إذا جاز التعبير أجرت أكثر من 400 حوارا في الثقافة والأدب والفنون قد انحازت دائما إلى الجماهير قبل انبهارها بالمثقفين وتبقي مدينة لندن بالنسبة لها محطة ونقلة متقدمة ضمن خطواتها المسرعة إلى الأمام .
 

لم تبهرني - لندن - ووجودي بها الآن قد ساعدني كثيرا علي معرفة النموذج الغربي - ولندن ليست محطة مهمة بالنسبة لي وإنما أعتبرها تجربة من تجارب الغربة والاغتراب الفكري .
 

وتري كوثر أن المسنين والحرفيين البسطاء الذين التقت بهم في برنامجها : ذاكرة الزمن - ذلك البرنامج الذي يتناول التاريخ الشفهي غير المدون تري أنهم أصدق الناس الذين التقتهم . وكوثر صاحبة الشعر الكستنائي المسترسل علي هواه والمسترخي في تكاسل علي كتفيها كشلال ضوء حطه القمر من عل لا يغضبها النقد الموضوعي وإنما يثيرها الناقد الذي ينقد من أجل النقد كما يعكر صفوها وهي الصافية أبدا أولئك الذين يحاكمون شخصا ما علي مهنة لا يعرفون أدواتها ولا يعلمون معاناة أصحابها ويكون نقدهم منصبا علي التسريحة الجامحة لشعر كوثر ونمط ملابسها الفضفاضة وحجم أقراطها العاجية والملونة ويتناسون مقدار الكم الثقافي الهائل المتدفق من عقلها كالنور الساطع .
 

بادي ذي بدء ما معني ثقافة ؟ فان كانت تعني ضمن ما تعني الشهادة الأكاديمية فان الكثيرين قد حصلوا علي شهادة ما بأيسر الطرق وأبسط الموضوعات وهناك مثقفون وهم كثر من الذين لم يحصلوا علي شهادة تذكر ولكنهم بنظري هم المثقفون أولئك أصحاب السلوك العالي والفكر النير . ولا أستطيع القول هنا أننا كعرب غير مثقفين إجمالا ولكننا ما نزال فعلا في حاجة إلى المزيد من المخزون الثقافي الحقيقي سواء في أقوالنا وممارساتنا وأفعالنا اليومية المخلصة وهذا بالضبط هو مفهومي للثقافة.
 

علي مدي أكثر من خمس سنوات في عملها بقناة مركز الشرق الأوسط كمذيعة ومقدمة برامج لم تقترب كوثر من هموم وقضايا المرأة العربية لأنها تعتقد أن مثل هذه الهموم وهذه الشئون النسائية مبالغ فيها ثم أنها من باب التخصص منصرفة لمسائل الفكر والثقافة وهي تصر علي أن ما يسمي بحقوق المرأة لا تهدي إلى المرأة هكذا من دون جهد وتحدي وإصرار بل علي المرأة العربية أن تخطف هذه الحقوق وأن تتسلح بالشجاعة وتقتلع الخوف من داخلها .
 

محاوري الثقافية والأدبية عادة ما تبحث عن المعرفة الأعمق كما يهمني في النهاية أن تعود علي المشاهدين بالنفع .
 

وذات مرة سألها صحفي استفزازي عن مدي إمكانية استضافة راقصة من راقصات شارع الهرم في برنامجها الشهري الناجح (السهرة المفتوحة ) فلم تتردد كوثر في القول : ولم لا ؟ والراقصة هي الأخرى فنانة ولها معاناتها وهي أولا وأخيرا امرأة عربية في إطار مجتمع لا يرحم باعتبار الراقصة نموذجا للمعاناة تعري من خلال عريها الأفكار التي نعيش فيها ثم أن الراقصة ليست منافقة ولا عندها هذا الكم من النفاق كالأخريات في مجالات أخري .
 

الأعلام غير الثقافة والأعلام بعامة وهم وواهم من يعتقد انه يصلح وضع معين إضافة إلى أننا في الوطن العربي ككل نقيم بوابة ضخمة مكتوب عليها ( ممنوع النجاح ) كما نتبني اتفاقا جماعيا غير مكتوب وغير معلن يسعي في الخفاء لتدمير كل موهبة عربية واعدة تعلن عن هويتها وقدراتها .