كراسي - kraassi
مجلة : تشكيلية - أدبية
غير مرتبطة
بمواعيد تحديث ثابتة

خيال المآتة يستريح قليلا - تصوير : فتحي العريبي 1985

 رئيس التحرير : فتحي العريبي
 فنان وكاتب تشكيلي ليبي

 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 ااا    عدد تجريبي لاستبيان أراء المتصفحين   ااا
fabigraph@yahoo.com
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

رسالة إلى الكرسي
ااا  الكرسي ما له وما عليه  ااا

ما أجملكَ وأبهاكَ أيها الكرسي. ها أنا أركع الآن أمامكَ، في عزّ هذا الليل البهيم. وستراني بعد قليل راكعاً أمامكَ تحت نجوم الظهر. فسأركع أمامكَ يا إلهي ومعبودي لتنظرني بعينيكَ الشفوقتَين. وسأركع لتنظرني المسكونة بأسرها، قبل أن ينظرني أهل الديار والجوار. وسأبوس يديكَ ورجليكَ. وسأقبّل التراب الذي تقف عليه. وسألحس الغبار عنكَ. وسآخذ الهواء إذا لامس جسدكَ اللطيف. يا حبّي وشهوتي. ما ألذّ أصابعي وهي تمرّر راحتيّ على ملمسكَ الناعم. ما أطيبَ شفتيَّ لأنهما تتلمظان بعسلكَ المميت. أيها القويّ كفتىً، والنزِق كغواية. أحبّكَ وأتمناكَ. من أجلكَ سأفعل العجائب ولن تقف مشقةٌ في طريقي. لا تخذلني في ساعات التجربة ولا تتركني في البحر الهائج. أنتَ النجاة في العاصفة، وأنتَ الزورق والمجذاف، وأنتَ الغرق أيها الكرسي. لا تحد أنظاركَ عني لئلا أقع في تهلكة. لا تجعلني يتيماً في الانتظار وشقياً في التأمل ومطأطئاً في التوسل. أبعِدْ عني أنياب وحوش الكسل والملل وداوني بالتي هي الداء. يا لكَ ساحراً مسحوراً أيها الكرسي. يا لكَ العدوَّ الصديق. أنتَ اليد في ضلال رمال التيه والشرود. وأنتَ المرض الفاتك والدواء الشافي.
 

 



الكرسي الأسود
للفنان الليبي : محمد بن الأمين

 

يا لكَ القاتل البريء أيها الكرسي. يا حبّي أنتَ لي العشيق دون العشّاق أجمعين. من أجل رضاك لن أتعالى على المعاصي. أطلبني تجدني. إقرعني أفتح لكَ. لن أحرمكَ ميراثا،ً لن أصرف عنكَ الهدايا ولن أمنع عنكَ الغيرة. بسببكَ سينقضَ عليَّ الأعداء ومن أجلكَ سينفضّ عني الزوّار. سأكون واحداً وحيداً لأجل بهاء الاجتماع بكَ على انفراد. كلما نظرتُكَ دهمتني غشاوة البصر. فيا لخَدَر عينيكَ أيها الكرسي. ويا لمتعة عمائي اذا كانت من أجل الإستئثار بكَ. لم أعد أتحمّل أحداً ينظر إليكَ يا أملي ومستقبلي. لن أريد لي أخاً ولا ولداً ولا شريكا ولا منافسا ولا وارثاً. فستكون أنتَ وحدكَ زوجي وحبيبي وعشيقي ومطلوبي ومليكي وتاجي وولدي وحفيدي. وستكون وحدكَ القلادة حول عنقي. سأحبّك وسأخلص لكَ. لن أخونكَ ولن أستبدلكَ، وإن أغروني بعرش روما وكرسي بطرس والبطاح. فستكون أنت وحدكَ سيّدي وسأكون لكَ تمثال الوفاء الأمين.

لم أر شيئاً في حياتي يرشد الأعمى الذي في عينيّ إلى عكازات تابوتي أكثر منكَ أيها الكرسي. لم أعرف حبّاً ولا كرهاً أكثر من حبّي لكَ وكرهي للمتطلعين إليكَ. سأسلّيكَ بأوجاف قلبي وبتعب ضميري وبتبكيت أهلي وبلدي وموتاي. وسأغسلك بماء الورد صبحَ مساء. وسأدهنك بالطيب والعطور.

وسآتيكَ بالزوفى لتطهر، وبالناردين لتتباهى على العالمين. وستكون فريداً ووحيداً في النوع والجمال والاستعباد. فأنتَ إلهي ومعبودي، وأنتَ صلاتي وإيماني. وأنتَ النجمة الساحرة لتدعوني إلى هاوية. وأنتَ الزورق المفضي إلى اليمّ المهلك. وأنتَ البوصلة العمياء إذ ترشد الرائي إلى العمى.
 

 

يا قاتلي وُمنايَ. أنتَ الأفعى لكنكَ لا تعقص. فما أطيب سمّكَ الزعاف وما أطيبني مسموماً أيها الكرسي. تخدّرني ثم تقتلني. تقتلني كأنكَ تخدّرني. تقتلني لتقتلني وغيري فلا ينتقم أحد منكَ، ولا يكرهكَ أحد.

فيا لبطشكَ وجبروتكَ. ويا لحنكتكَ ودهائكَ أيها الكرسي. تُردي الجميع فلا يطلبكَ أحد لثأر ولا يطالبكَ أحد بثأر. أحبّكَ أيها الكرسي، في القصور وفي ساحات المدن وتحت المقصلة. أحبّكَ وأندهكَ وأتوسلكَ أيها الكرسي. فما ألذّكَ وما أحلاك. أريدكَ لي في الساحة، أو في السرايا التي لو دامت لي ما آلت إلى غيري. وأريدك في المنصب الكبير. أتمنّاكَ لجلوسي في كل مكان. في التحت وفي الفوق، في اليمين وفي اليسار، فوق أطلال الموتى أو فوق أطلال النفايات. أحبّكَ وأريدكَ وأتمناكَ، وإن واصلاً اليكَ في تابوت، أو على جثة بلاد أو على جبين كرامة معفَّرٍ بالتراب. لا يردعني رادعٌ ولا يحول بيني وبينكَ شرفٌ ولا جبل.

سأدمّر من أجلكَ كلّ شيء لكي لا يبقى أهلٌ على أهل، وحجرٌ على حجر، وبيتٌ على بيت، وأرضٌ على أرض، ودمعةٌ على عين. وسأقتل لكَ إخوتي وأشقائي. وسأبيع بيتي ومنازل أهلي. وسأهرق جوعي وشبعي.

وسأمنحكَ امرأتي وبناتي. وسأبيعكَ روحي. وسأعطيكَ مستقبلي وبلادي. سأرهن لكَ الأراضي والمدن والفصول الأربعة. وسأبيح لكَ الماء والهواء والتراب والنار. وسأجعلكَ مقيماً في الجبال من المكمل إلى الأبيض الشيخ. وسأضع تحت قدميكَ التلال والروابي. وسأركّع لكَ الأنهر والأودية. وسأوصي لكَ بباطن الأرض وكبد السماء.

وسأنتظركَ في الوهم وفي بصر العين. وسأقيم لكَ المراثي لأندب ابتعادكَ عنّي. وسأنشد لكَ الأناشيد كلما مررتَ على مقربةٍ مني. يا رجْوَتي ومُنايَ. أنظركَ وأتوسلكَ وأطأطىء لكَ ركبتيَّ ورأسي وهامة بلادي.

 أريدكَ مخلَعاً أو قوياً. ميتاً أو حياً.   ولن أبخل عليكَ في شيء. وها أنذا أصلّي إليكَ وأناجيكَ. راكعاً مغمضَ العينين ومحدِّقاً. أيها الواقف كعمودٍ من عار في وحل القذارات، المنتظر تحت شمس الذل، الساهرفي ضوء القمر الخائن. أيها الكرسي، يا رجائي وخلاصي. أناديكَ وأطلبكَ ايها السجّان الحنون الطيّب الخبيث الثابت المتراخي المتهالك الصامت اللذيذ. أحبّكَ  يا كرسيّ العبوديات، لأنك المستريح من تعب العقل وأوجاف الحرية. أحبّكَ أيها القبر المقيم فوق أرض اللبن والبخور. أحبّكَ، وإن فوق ضريح الوطن .. أي وطن!!.

بتصرف محدود جدا عن
عقل العويط



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فهرس العدد التجريبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرشيف المجلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصفحة الرئيسية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    
ااا 
الناشر : مرسم عش الحمامة  ااا
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ